عبدلي وإخوان

إيمان جوهر حيات

7/29/2019

لا تتحقق المواطنة من دون توافر البيئة الصحية التي تسمح لكل التراكيب الثقافية والاجتماعية والسياسية المتباينة بين أفراد الوطن الواحد بالتفاعل والنضوج من دون تمييز أو تزييف للحقائق.

عندما يسود المواطنين الشعور بعدم تحقق العدالة والمساواة، وأن فئة معينة من أفراد المجتمع تحظى بمميزات على أساس الجنس أو الأصل أو المعتقد الدّيني أو التوجه الفكري أو القرب من الحكومة لا على أساس الكفاءة، يختل ميزان العدالة ويؤدي ذلك لاضطراب في المواطنة ويسفر عن ذلك تقويض للأمن والاستقرار.

ويكفي إلقاء نظرة على تدني مستوى الطرح الذي اتسم بالعنصرية والطائفية، وتجييش بعض المأجورين والمغيبين على قمع كل توجه أو فكرة أو نقد لا يتوافق مع توجهات أولياء نعمتهم أو يتضارب مع أفكارهم المتصلبة والجامدة.

«وصف عالم النفس الاجتماعي البولندي الأميركي ميلتون روكيتش (1988-1918) التشدد لمجموعة من المبادئ العقائدية، التي ترفض في المقابل بشدة مجموعة أخرى من المبادئ وتعدها لا قيمة ولا معنى لها، بالصرامة العقلية، وهي عدم قدرة الشخص على تغيير جهازه العقلي عندما تتطلب الشروط الموضوعية ذلك».

فلم نكد ننتهي من التراشق العنصري الذي اكتسح اغلب الوسائل الاعلامية عن اعتصامات البدون، حتى تحول هذا الصراع إلى تصادم جديد بين أنصار خلية الإخوان الإرهابية كما يصفها الإعلام وأنصار خلية العبدلي التي أدانها القضاء، أي خلاف طائفي جديد! وكل فئة تترقب الزلة على الأخرى لتعلن وطنيتها وولاءها للحكومة!

الوضع من السيئ للأسوأ، واستغلال تلك الخلافات -سياسياً- وتزيينها بمساحيق التجميل لن يزيداها الا قبحاً وبشاعة.

اليوم لدينا شباب أصبح أكبر أحلامهم الهجرة! ولدينا لاجئون في دول متقدمة تحترم الحريات الشخصية يتحدثون عبر المنابر عن شعورهم من دون أي قيود، سواء نتفق أو نختلف معهم، الا ان ذلك لا يعد وضعا صحيحا ولا يصب في مصلحة البلد، ويفترض على الدولة إن كانت بالفعل راغبة في الإصلاح أن تعيد ترتيب أمورها وفتح صفحة جديدة تستقطب من خلالها كل أبناء الوطن من دون أي تمييز، وتمكين فئات المجتمع كافة من المشاركة في الحياة العامة «السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..».. ولا تتحقق تلك المشاركة إلا في اجواء ديموقراطية تسودها الحرية المسؤولة النابعة عن دراية الأفراد ووعيهم بواجباتهم وحقوقهـم، فلم تعد سياسة المنح والعطايا وكسب الولاءات التي تحدث عنها بعض نواب مجلس الامة في أكثر جلساتهم أمراً مقبولاً أو صحيحاً، بل أصبح حديث اغلب اهل الكويت يتسم باليأس وفقدان الثقة بمؤسساتها وهذا مؤشر غير جيد بتاتاً ويجب ألا يجري تجاهل عواقبه السلبية.

علينا جميعاً أن نعي أنه لا يمكن بناء حضارة أو ثقافة أو أي شكل من أشكال النهضة في مجتمع لا يسوده التعايش والاحترام، والوعي بأن ما يكسر أواصر المواطنة هو غياب الدور الحقيقي للدولة المدنية التي لا تتبع سياسة فرق تسد.