العبودية الطوعية

إيمان جوهر حيات

1/14/2019

يقال قديماً: أغرق الطوفان الأرض ليخلصها من الفساد! وانقشع الطوفان وظل الفساد على حاله! يا ترى أين تكمن المشكلة؟! الفساد موجود طالما الجشع باق وصراعات المصالح مستمرة، تلك الصراعات خلقت شعوباً متناحرة لا تستكين، كل فرد يريد أن يسطو على ما بيد غيره، ويحب ألا يرى الخير إلا لنفسه، يعيش مكبلاً في دوامة من القيود والضغوط، ويخشى حتى التحرر منها، فالعبودية الطوعية هي أن يرضخ الإنسان لقيود ومخاوف لا يجرؤ حتى ان يفكر بها، لأنها وببساطة تعتبر عادة او عرفاً او تقليداً مغلفة بهالة التقديس.

قصة العبودية قديمة، وتعود لأزمان ما قبل التاريخ، فمنذ بداية تشكل التجمعات الإنسانية من قرى ومدن والحاجة لعمالة «رخيصة ومنجزة»، الى الحروب والصراعات والاستعمار، التي يسلب بها المنتصر الغنائم ويسبي ويستعبد الأحرار، الذين كانوا يباعون في سوق النخاسة كالمواشي بلا إرادة، لا يدركون مصيرهم، كل ما يعرفونه هو طاعة سيدهم.

انتهى ذاك الزمان لنرى اليوم بشراً يتسابقون لاستعباد أنفسهم، ويبيعون مبادئهم لأجل منصب قيادي او منزل في حي راق، او سيارة فخمة، أو مزرعة في الوفرة، او ياخور بكبد، او رحلة سياحية على حساب الصحة، أو اضطرار تجاهل التجاوزات حفاظاً على وظيفة حكومية لدفع الأقساط والإيجارات وتسديد القروض، وشريحة تفضل الصمت لأنها يائسة من الإصلاح، فتعيش في حالة عزلة ونزاع داخلي، لانها تدرك حقيقة الأمور، ولكنها ترهب بطش الآخر المسيطر، وتلك الفئة غالباً ما تتعرض لأمراض نفسية كالاكتئاب، وأخرى جسدية كالجلطات بسبب الكبت.

وللأسف ما زالت أغلبية مجتمعاتنا العربية تجهل أضرار الأمراض النفسية، التي تستطيع أن تخلق من الانسان وحشاً يتلذذ بمضرة نفسه والآخرين، أو إنساناً متهالكاً بلا غاية وبلا مصير، وكلاهما بلا فائدة على المجتمع.

المشكلة في مجتمعاتنا تكمن في منظومة الأفكار المسيطرة على عقل الإنسان، والتي جعلت منه آلة استهلاكية لا تفقه إلا لغة الماديات، وأصبح المجتمع يقيم الفرد على مكتسباته الاجتماعية من انتماء ومعتقدات (مثال رفض تجنيس غير المسلم بإجماع حكومي ونيابي!)، والمادية من ممتلكات وأموال، وليس بما يملك من علم وكفاءة!

والسؤال: من أسس الفاسد؟

نظام التعليم المتهالك، الذي اعتمدته الدولة، أسس أجيالاً تنظر للمختلف بريبة، وتؤمن بالواسطة والمحسوبية، وتحصيل العلم أصبح فقط لنيل وظيفة وراتب، لذلك اعتمد البعض على استخراج شهادات مزورة للوصول الى مرادهم من دون إحساس بالمسؤولية، لأنهم على يقين من أن الإنسان كمحور أساسي للتقدم يستوجب تنمية قدراته وتأهيله، بل ينظر إليه كسلعة محددة بفترة صلاحية!

سياسة التجهيل وتزييف الحقائق لا تنتج الا إنساناً ضعيفاً مسلوب الإرادة، فكيف لمسلوب الإرادة أن ينهض بالوطن؟!