الجمود ما يفيد
إيمان جوهر حيات
12/4/2017
أتساءل دائماً: لماذا نعتبر دولاً متخلفة ونامية؟ هل هناك كره للتحضر أم الخوف مما يصحبه التحضر من ثقافة وقيم إنسانية لم تعتد عليها مجتمعاتنا؟! مجتمعاتنا لا تعرف معنى العمل الجماعي، لأنها اعتادت على نهج التسلط والتفرد بحكم كونها، إلى حد كبير، مجتمعات تقليدية قبلية ثيوقراطية تخضع غالبا للعصبية التي كان لها أهمية في زمان ومكان ما في الماضي يختلف تماماً عن الحاضر الذي نعيشه اليوم، والذي تتسم به المجتمعات بالتعقد الفائق في التخصصات الدقيقة والمتشعبة، وتشابك العلاقات بين أفراد المجتمعات المتحضرة وما نشأ عن ذلك من قوانين تنظيمية مستندة إلى المبادئ والحقوق الإنسانية التي بها تُكفل كل حقوق الأفراد وتصان المجتمعات. تفتقر العقلية العربية بشكل عام إلى معنى ومضمون العمل الجماعي، وذلك لتركيزها الدائم على الفرد الخارق والراعي المهيمن الذي عن طريقه تحل البركات وترفع النكبات وترجع له كل الخيرات، أما الشعب فعليه تحمل الويلات والإخفاقات!
إن مضمون ومفهوم العمل الجماعي يكمنان في قدرة جماعة من الأفراد المختلفين فكريا وعلميا وأيديولوجيا على التفاهم والتعاون في إطار من النظم واللوائح والقوانين التي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع من اجل تحقيق الاهداف التي تصب في المصلحة العامة للجميع. ولكن كيف نستطيع تفعيل تلك الثقافة في مجتمعات يغلب عليها طابع التفرد والأنا والنرجسية؟
الجواب بسيط: الدولة التي تملك كل مقومات القوة والسلطة والنفوذ قادرة على إحداث التغيير والإصلاح إن شاءت، ومثال على ذلك كيف كان المجتمع الكويتي حرفيا ومنتجا قبل النفط، وكيف تحول إلى مجتمع اتكالي ومستهلك بفضل إدارة وسياسة حكومية بلا رؤية مستقبلية، استغلت الثروة النفطية بطريقة غير فعالة، وخلقت أجيالا معتمدة على المنح والرواتب الحكومية من دون إنجاز فعلي يفيد المجتمع والوطن.
البعض يرجع سوء الإدارة في تلك الحقبة الى قصر النظر وعدم استيعاب العمل المؤسسي بشكل صحيح، ولكن إذا كان هذا الافتراض صحيحاً فلماذا استمر الحال على ما هو عليه حتى تاريخه؟
اعتقد أن الخلل أكبر من ذلك، ويكمن في سيطرة الفكر القبلي والطائفي الذي يتجلى بوضوح في تقسيم الدوائر الانتخابية، وكذلك الإخفاقات المتكررة في المسار الديموقراطي.
تلك العقلية القبلية والطائفية لا تتماشى قيمها مع نهج المدنية والتحضر، لأنها عقلية لا تؤمن بالاختلاف والتعددية، ولا تستوعب الديموقراطية التي تعني حكم الشعب، ولا تعرف معنى العمل الجماعي والشراكة الحقيقية التي تتسم بالعدالة والمساواة والحرية، لانها تقصر ذلك على نفسها وعلى من يُنسب إليها ومن ينتهج نهجها، وهي ترى أن هيمنتها على الثروة والنفوذ هي التي تمكنها من الاستمرار والبقاء والتسلط.
إذا أردنا الإصلاح فعلينا أن نواجه الحقائق من دون حساسية، وأن نستوعب جميعا أهمية وضرورة العمل الجماعي المشترك الذي من خلاله يتحقق مشروع وطني ينسجم مع روح العصر وتسوده العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص، ويتوافق به جميع أبناء الوطن لتحقيق المنفعة المشتركة.