المستقبل يحتفي بالمبادرين
إيمان جوهر حيات
7/26/2021
تتنافس أغلب دول العالم على امتلاك والسيطرة على الطاقة التي تتحرك من خلالها مفاصل العالم المتعطش للكهرباء عصب الحياة العصرية والناتج معظمها من خلال حرق الوقود التقليدي الناضب والذي أصبح بحكم التطور يوصف أنه عدو البيئة اللدود، ومُحارب من قِبل أكبر المنظمات الدولية التي أخذت على عاتقها مهمة حماية كافة جوانب حياة الإنسان والمحافظة على البيئة تحقيقا لأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة للبيئة والتي تم اعتمادها من المجتمع الدولي في سبتمبر 2015، وامتثالا لاتفاق باريس لعام 2015، والذي يهدف إلى احتواء الاحترار العالمي لأقل من درجتين، وامتثالا لتوصيات الخبراء و المتخصصين في مجال البيئة.
هل سنشهد تحول دولي أخضر للطاقة خالي من الصراعات؟
ربما يتشكك البعض في الدور الحقيقي لتلك المنظمات الدولية، وانها مسيسة لصالح القوى المهيمنة على العالم، وقد يكون في هذا التشكك جزء من الصواب، ولكن في نهاية الأمر تلك القوى المهيمنة أصبحت اليوم تدرك جيدا نتائج ما افتعلته من سياسات سابقة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وقارة أفريقيا وما تمخض عن ذلك من حروب وصراعات وثورات هددت المضائق المائية وضخمت أسعار الشحن وأثرت على التجارة، وتسببت في هجرة الملايين من اليائسين من أوطانهم المنكوبة الى البلدان الأكثر رقي وازدهار وأمان مما شكل ضغط على منظومة البلدان المستقبلة التي ترتبط أدبيا بمواثيق دولية جوهرها احترام حقوق الإنسان، أدركت تلك الدول النافذة ان استقرار منطقة الشرق الأوسط و أفريقيا هو السبيل الصحيح لحماية مصالحها المتنامية التي لن تتحقق الا بحماية الحقوق الانسانية وضمان بيئة اجتماعية سياسية اقتصادية و صحية مستقرة وامنة ونظيفة، فلم يعد ما يتعرض له بلد ما من أوبئة ومجاعة وتلوث وغيرها من كوارث حبيسة في نطاق حدودها الجغرافية، مثال جائحة كوفيدـ19 التي بدأت في الصين و اكتسحت العالم.
تسبب التغير المناخي بخلل كبير في المنظومة البيئية وأثر بشكل مباشر وغير مباشر على الإنسان،
وحذرت دراسة دولية بعنوان مستقبل إجهاد المياه العابرة للحدود وعوامله في ظل تغير المناخ وأشارت الدراسة ان 380 مليون شخص قد يواجهون "إجهادًا مائيًا" بحلول عام 2050
نشرت الدراسة في مجلة earth's future وهي مجلة متعددة التخصصات، تبحث في حالة الكوكب وسكانه ، والمجتمعات المستدامة والمرنة ، 25 مايو 2020.
ومازالت الصراعات والأزمات على الماء والطاقة في ازدياد، أزمة تجر الأخرى دون توقف ونشهد ما يحدث حول سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، وأزمة نقص مياه وكهرباء في إيران والعراق والأردن، ويبقى المشهد ضبابي ويثير القلق والتوجس، وأتساءل هل مرحلة ما بعد كورونا هي صراعات لأجل البقاء!
المرحلة القادمة مرحلة دقيقة للغاية فهي مرحلة انتقال وتموضع، والدول التي لا تواكب ما أحدثته التكنولوجيا والتقنيات الفائقة من تغيير ستتلاشى من على الخريطة أو تصبح مجرد عالة تتخبطها الكوارث والأخطار من كل اتجاه.
تدق المنظمات الدولية نواقيس الخطر، وقد نشرت المنظمة الإنسانية البريطانية "أوكسفام" تقرير بعنوان فيروس المجاعة في تكاثر، وكشفت المنظمة الاسباب التي ادت لازدياد المجاعة في العالم ومنها استمرار النزاعات المسلحة، وجائحة كوفيد 19، و مشاكل التغير المناخي باعتباره عاملا ثالثا في اتساع فجوة المجاعة لا سيما في الدول التي تتميز بطبيعة صحراوية أو شبه جافة.
09/07/2021 فرانس 24.
كما حذرت الأمم المتحدة مرارا وتكرارا من أثر الصراعات المتنامية والتغير المناخي على الإنسان والتنمية، اصبح ما احدثه التغير المناخي من خلل كبير في المنظومة البيئية يتصدر أغلب خطابات وتقارير المجتمع الدولي التي بدأت برسم خطط محددة زمنيا لأجل التحول الى الطاقة النظيفة المستدامة والاستغناء عن مصادر الطاقة التقليدية، ومن شأن ذلك قلب موازين القوى وسحب البساط من تحت أقدام الدول المنتجة للمصادر التقليدية الناضبة، وتحول تركيز القوى الجيوسياسية إلى الدول القليلة المنتجة للمعادن الخام التي اغلبها نادرة والتي تحتاجها منظومة الطاقة المتجددة، الموضوع متشعب وبه الكثير من الدهاليز فأغلب تلك المعادن وخاصة النادرة منها سُمِّية وكذلك ملوثة للبيئة! وتعتبر الصين التي تربطها علاقة متذبذبة مع الولايات المتحدة في الكثير من الأمور وآخرها ما هو مثار حاليا على أشباه الموصلات التي تدخل في تصنيع جميع الأجهزة الإلكترونية والتقنية في العالم المنتج الرئيسي لمعظم تلك المعادن هو التنين، فهل سيؤدي التحول العالمي للطاقة إلى التعاون للوصول لأفضل التقنيات الخضراء والصديقة للبيئة أم ستنتقل المعارك من الآبار الهيدروكربونية إلى المناجم المعدنية وندخل في حقبة جديدة من الصراعات الرقمية السيبرانية؟
رغم قتامة المشهد إلا أن ما تقدمه العلوم من اكتشافات كفيلة بإعادة الأمل لمستقبل أفضل، أصبح الهيدروجين الأخضر الذي يتم انتاجه من خلال عملية كيميائية تُعرف باسم التحليل الكهربائي لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء لإنتاج طاقة دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يتصدر المشهد الدولي، وعلى الرغم من أن الهيدروجين الأخضر لا يزال في مهده، بادرت بعض الدول في أخذ خطوات جدية لتكون في طليعة تطوير ما يمكن أن يكون مصدرًا رئيسيًا للطاقة في المستقبل، ووفقًا لقاعدة بيانات مشاريع الهيدروجين التابعة لوكالة الطاقة الدولية، فقد تم الإعلان عن ما يقرب من 320 مشروعًا تجريبيًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر في جميع أنحاء العالم - بإجمالي قدرة جهاز تحليل كهربي تبلغ حوالي 200 ميجاوات، والمحاولة مستمرة للوصول الى تقنيات من شأنها حماية الجودة وخفض التكلفة لتحقيق مردود مجزي وتصبح الطاقة في متناول الجميع.
الجميل هو اهتمام العديد من الاقتصادات الشرق اوسطية وخاصة تلك المعتمدة على النفط كالمملكة العربية السعودية والإمارات وعمان بالعمل لإنتاج الطاقة الخضراء لتقليل الاعتماد على النفط والتوافق مع التحول منخفض الكربون الجاري في العالم ككل. والمؤسف ان الكويت السباقة في وضع الخطط والاستراتيجيات الواعدة مازالت في مرحلة الدراسة والبحث والتمحيص التي تنتهي بالإلغاء والتأجيل!
المستقبل يحتفي بالمبادرين الذين يعرفون كيف يقتنصون الفرص المناسبة للتربع على كرسي الصدارة؟