الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: على فوهة بركان

إيمان جوهر حيات

2/6/2025

في أعماق الأرض، تتراكم الصخور المنصهرة تحت ضغط هائل، تتحرك ببطء عبر طبقات القشرة، حتى تصل إلى نقطة لا يعود فيها الاحتواء ممكنًا. حينها، يتمزق الغلاف الصخري، وتنطلق الحمم في انفجار لا يمكن إيقافه. لكن قبل ذلك، تظهر علامات تحذيرية: تصدعات، انبعاثات غازية، وزلازل صغيرة… إشارات لا تعني أن البركان قد هدأ، بل تنذر بأن الانفجار قد اقترب.

لكن ماذا لو لم تكن البراكين مجرد ظاهرة جيولوجية؟ ماذا لو كانت المجتمعات أيضًا تعيش تحت ضغط متزايد، تراكم عبر عقود من التحديات؟ أزمات اقتصادية، تدهور في التعليم، تراجع في الحريات، وتصاعد الإحساس بعدم وجود العدالة… كلها ضغوط قد تبدو غير مرئية، لكنها تتفاقم بمرور الوقت. و الفرق الوحيد هو أن المجتمعات لديها خيار التصحيح قبل أن تصل إلى نقطة الانفجار، لكن هل تُستوعب تلك التحذيرات؟

الضغط المتزايد… بين الإنذار والاستجابة، كما هو الحال في البراكين التي ترسل إشارات تحذيرية قبل انفجارها، كذلك تفعل المجتمعات. فالأزمات لا تظهر فجأة، بل تتراكم تدريجيًا عندما تتداخل عوامل مثل البطالة، عدم تكافؤ الفرص، التضخم، ضعف الخدمات الأساسية، وغياب العدالة الاجتماعية. هذه ليست مجرد تحديات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، بل تصدعات تهدد تماسك المجتمعات واستقرار الدول.

وحين يُغفل التعامل مع هذه التحديات، تبدأ الشروخ في الاتساع، مما يؤدي إلى:

تراجع الثقة بين المواطن وصانع القرار.

تزايد الهجرة بحثًا عن فرص أفضل.

تصاعد الاستياء من سوء توزيع الموارد.

تمامًا كما يحذر العلماء من زلازل صغيرة تنبئ بانفجار البركان، فإن المجتمعات أيضًا تعطي إشارات تحذيرية. لكن هل يتم الإنصات إليها؟ أم تُترك حتى تتحول إلى كارثة لا يمكن احتواؤها؟

إن الضغط لا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة لسياسات قصيرة النظر. فحين تُهمل الاقتصادات المحلية وتعتمد الدول على الاستيراد بدلًا من بناء صناعات مستدامة، تزداد هشاشتها أمام التقلبات العالمية. وعندما يُهمل التعليم وتُهدر العقول، تصبح التنمية مستحيلة، ويصبح البحث عن الفرص في الخارج الخيار الوحيد. أما الإعلام، الذي يُفترض أن يكون منبرًا للوعي، فقد يتحول إلى أداة مسيّسة لصرف الانتباه عن القضايا الجوهرية، فيزيد الاحتقان بدلًا من تهدئته.

نظرة على بعض المؤشرات

الاقتصاد:

وفقًا لتقرير “المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا” الصادر عن البنك الدولي لعام 2024، يتوقع خبراء الاقتصاد أن تنمو المنطقة بمعدل 2.2% فقط، مما يعكس التفاوت بين الدول الغنية المصدرة للنفط وبين الاقتصادات النامية التي تواجه صعوبات اقتصادية متزايدة. كما يحذر التقرير من أن الاعتماد المفرط على الاستيراد دون تطوير صناعات محلية يبقى الاقتصادات عرضة للتقلبات العالمية، ويشدد التقرير على ضرورة الاستثمار في التصنيع والابتكار لتحقيق استدامة اقتصادية حقيقية (البنك الدولي، 2024).

الهجرة والتعليم:

تقرير “الآراء حول الهجرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (2023-2024)” الصادر عن الباروميتر العربي يكشف أن نسبة كبيرة من المواطنين يرغبون في الهجرة بحثًا عن فرص تعليمية ومهنية أفضل. هذه الظاهرة ليست مجرد مؤشر على الطموح الشخصي، بل تعكس فشلًا في خلق بيئة جاذبة للعقول، وتبرز الحاجة الملحة للاستثمار في البحث والتطوير وتحسين جودة التعليم (الباروميتر العربي، 2024).

حرية الصحافة والإعلام:

وفقًا لمؤشر “حرية الصحافة” الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” لعام 2024، هناك تراجع متزايد في دعم استقلالية وسائل الإعلام في المنطقة، وارتفاع في الضغوط الحكومية والسياسية على وسائل الإعلام، مما يقوض حق الجمهور في الحصول على أخبار موثوقة ومستقلة.

تلعب وسائل الإعلام دورًا محوريًا في توعية المجتمعات، وتشكيل إدراكها العام. وكما تُظهر البراكين تصدعات وانبعاثات غازية قبل انفجارها، فإن المجتمعات تعطي إشارات واضحة عندما يصل الاحتقان إلى مرحلة الخطر. وهنا، يصبح دور الإعلام حاسمًا، فإما أن يكون وسيلة لفهم هذه المؤشرات والاستجابة لها بحكمة، أو أن يتحول إلى أداة لصرف الانتباه عن التحديات الحقيقية، وصناعة الوهم، وإشغال الشعوب بقضايا تافهة، أو تضخيم أحداث لا قيمة لها على حساب القضايا الجوهرية.

الإعلام ليس مجرد ناقل للأخبار، بل هو انعكاس لطبيعة المجتمعات. فإما أن يكون صانع وعي يعزز الاستقرار والنهضة، أو أداة تضليل تجعل الشعوب أكثر عرضة للانفجار في أي لحظة، مما يجعل الانفجار أكثر حدة وأقل توقعًا.

متى نتعلم من الطبيعة؟

لا يمكن منع البراكين من الثوران، لكن يمكن مراقبتها وفهم إشاراتها المبكرة لاتخاذ التدابير اللازمة والحد من أضرارها. وكذلك هو الحال مع المجتمعات، فالأزمات لا تنشأ فجأة، بل تتراكم تدريجيًا مثل الضغط الكامن تحت القشرة الأرضية. ومع ذلك، فإن الإدراك المبكر، واتخاذ التدابير الحكيمة، قد يمنع الانفجار قبل وقوعه، ويحفظ استقرار المجتمعات قبل أن تصل إلى نقطة اللاعودة.

التاريخ يعلّمنا أن الأمم التي تستمع إلى إشارات الإنذار وتتخذ خطوات إصلاحية استباقية هي التي تصمد أمام التحديات. أما تلك التي تراهن على المراوغة والتجاهل وتأجيل الحلول، فإنها تغامر بالدخول في مرحلة اللاعودة، حيث لا تعود الخيارات السلمية متاحة.

السؤال لم يعد: “هل سنصل إلى نقطة الانفجار؟” بل أصبح: “هل نمتلك الحكمة والقدرة على تفاديه قبل فوات الأوان؟”

ما زال هناك بصيصٌ من الأمل، فالإصلاح ممكن متى ما توفرت الإرادة، والخطوات الصحيحة يمكن أن تحول التحديات إلى فرص، شريطة أن يكون هناك إدراك بأن الزمن لا ينتظر أحدًا.