الثوب المرقع
إيمان جوهر حيات
11/27/2017
«لا يفزعنك قعاقع وفراقع وجعاجع عريت عن البرهان. كم ذي الجعاجع ليس شيء تحتها إلا الصدى كالبوم في الخربان».. هذه كلمات أبو محمد عبد الله بن المقفع (724م - 759م)، وهو مفكّر فارسي اعتنق الإسلام، وعاصر كُلاً من الخلافتين الأموية والعباسية، وكان يجمع بين لغة العرب وصنعة الفرس وحكمة اليونانيين، ومؤلف كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير، وكتب أخرى كثيرة. أغضبت آراؤه حكام عصره؛ فاتُّهم بالكفر والزندقة، وعُذِّب حتى الموت. هذا هو نتاج تحالف السياسة بالدين، ولم يكن ابن المقفع أول الضحايا ولا آخرهم، التاريخ برمته حافل بضحايا الرأي والفكر الذين زُهِقت أرواحهم لوقوفهم ضد الجهل والاستبداد. إننا فعلا ابتلينا بقوم جهلاء. كيف لدولة ديموقراطية مؤسسية تطرد المفكرين والباحثين والعقلاء؟
وانا هنا لن اخص بكلماتي المفكر أحمد سعد زايد، حيث أسهب الكتاب والمفكرون الأحرار بالشجب والاستنكار على تصرف المغالين والمتحجرين الذين لا يعرفون شيئا عن الحوار ولا يفهمون معنى احترام الاختلاف.
انني بالفعل استغرب من تصرف الحكومة، متمثلة بوزارتي الشؤون والداخلية. طبعاً حميتم أنفسكم لأنكم لم تصدروا ورقة أو سندا رسميا يدين تصرفكم خوفا من أن تُفتح عليكم نيران منظمات حقوق الإنسان واكتفيم بتشغيل ادواتكم لتأجيج الناس باسم الدين والأخلاق والحرمات وإسقاط تهمكم المعتادة بالتكفير والإلحاد على كل من يختلف مع فكركم الذي لا يقبل الحوار. كيف تدخلون في نوايا الناس وتتهمونهم بما ليس بهم ومن دون أدنى دليل أو برهان؟!
كنت أظن أن الحكومة تعاني من تلك التيارات المتشددة التي اجتاحت كل مفاصل الدولة، ولكن يبدو أن الأمر مختلف.
عن أي وحدة وطنية تنادون وأنتم من تقصون كل من يختلف عنكم وتخشون من كل فكر يدعو للتحرر والتفكر والعقلانية؟
لم تكن هذه المرة الأولى ولن تكن الأخيرة وسيظل الحال على ما هو عليه ان استمررتم بتلك السياسة التي لم تتعلم من كبواتها ولا من تجارب الذين أرهقتهم سياستهم العرجاء بما تبنته من أفكار متشددة وإقصائية انقلبت عليهم وأصبحوا في وهن وضعف يحاولون بشق الانفس ان يقتلعوا ما زرعوه من اشواك التفت حول أعناقهم.
استيقظي يا حكومة، وأخرجي الكويت من ذلك الثوب الضيق والمرقع والقبيح وارجعي لها ثوبها الزاهي المزركش الذي سلبه سوء الإدارة وضعف البصيرة.
نحن نريد كويتنا منفتحة على العالم بأسره بثقافته وآدابه وفنونه وعلومه، وأن تدخل مضمار المنافسة مع الدول المتحضرة في كل المؤشرات التنافسية لا أن تكون قابعة في مؤخرة تلك المؤشرات.. ولن نستطيع تحقيق ذلك طالما العديد من شؤون البلد تدار بأيد البعض منها لا تعرف إلا التكسب والمحاصصة والهدر والفساد، أما المجتمع ومصلحة الوطن فهما آخر همها.
الكويت أمانة الأجداد وهي ايضا أمانة للأجيال، والدستور هو عقدنا الذي ارتضيناه ولن نقبل تحجيمه وانتهاكه لأي سبب من الأسباب.
أصلحوا أساسات البيت المتصدعة من الداخل قبل أن تبدؤوا بترميم واجهاته الخارجية.