الطنطل
إيمان جوهر حيات
3/4/2019
في الثمانينات أتذكر جيداً ذلك التلفاز الضخم، الذي لا يحتوي إلا على بعض القنوات، ومنها القناتان الأولى والثانية، وأعتقد الرياضية، وإذا أردنا الخروج من دائرة القنوات المحلية نحرك القرص الدائري للأريل فنستطيع أن نرى قناة 33 Channel التابعة للبحرين، وقنوات كل من السعودية والعراق وإيران، وهذا أقصى ما نستطيع التقاطه من ترددات. لم يكن لدينا تلفون نقال ولا آيباد، وأحدث شي نملكه هو ألعاب الأتاري وكمبيوتر صخر، الذي كنا نستخدمه للعب فقط! ومن دون انترنت! ولا أنسى مجلة سعد وماجد وقصص تان تان المسلية. الأخبار التي كنا نسمعها محدودة، وأغلبها من القنوات المحلية وبعض القنوات الإقليمية القريبة، لا نعرف ماذا يحدث في دول العالم الآخر، لقد كنا مغيبين عن العالم من حولنا، ليس بسبب جهلنا، ولكن بسبب تواضع التكنولوجيا آنذاك. جرب أن تمسك طفلاً عمره 6 سنوات اليوم، وأسرد عليه قصة «الطنطل»، أو أي خرافة من خرافات الماضي، أول ردة فعل له هو أنه سيسقط على الأرض ممسكا ببطنه من شدة الضحك، مستهزئا بسطحية وضحالة ما يسمعه، تماما عكس ردة فعل من كان قبله من أجيال، الذين صدقوا الخرافات وارتعبوا منها. هذا الجيل جدا ذكي ومنفتح، ونظام الفرض والوصايا الممارس في السابق لن يجدي مع هذا الجيل، بل سيجعله أكثر تمرداً وانفلاتاً.
وبمجرد مقارنة بسيطة بين ما كنا نتلقاه من معلومات محدودة وما يتلقاه اليوم ابناؤنا من معلومات تتدفق من كل حدب وصوب بفضل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، سنجد أن هناك فرقاً كبيراً وشاسعاً في طريقة التفكير، التي وللأسف لم تستوعبها النظم البيروقراطية الجامدة، التي ظلت متمسكة بنهجها القديم من دون تحديث وتطوير، مما سبب خللاً وصدعاً كبيراً نرى نتائجه في التظاهرات والثورات والتنديدات الشعبية في أغلب دول العالم، وخاصة في الدول الشرق أوسطية، التي لم ندرك أو نفهم أسباب قيامها قبل الانفتاح.
هذا التصادم الذي نراه اليوم هو صراع بين جيل كلاسيكي يؤمن بالركود في الماضي لحماية نفوذه ومصالحه من زوابع الانفتاح، وجيل الإنترنت الذي يؤمن بالتغيير والتجديد، الذي يقود للنهضة والتطور والبقاء.
وكل ما نحتاجه اليوم هو إنشاء همزة وصل تربط تلك الأجيال بعضها ببعض، وتخفف من حدة وجهات النظر المتباينة بينهم، ولن يحدث ذلك إلا باستيعاب الجيل القديم المحافظ بأن الثبات والتشدد في الآراء لا يتوافقان مع طبيعة هذا الزمن المعقد والدائم التحرك والتغير، أجيال اليوم مختلفون، وهم بحاجة الى من يسمع لهم ويفهمهم ويحفزهم للإبداع، وليس لمن يكذب عليهم ويقمعهم ويكسر مجاديفهم.
أجيال اليوم هم قادة الغد، ومن المفترض تأهيلهم وإعدادهم لتحمل المسؤولية، وليس لخلق نسخ كربونية تسمع وتطيع من دون أن تستوعب وتدرك!