علينا إعادة حساباتنا
نشر 21 يوليو 2018
إيمان جوهر حيات
1/30/2024
هناك من يريد أن تتحوّل إلى مجرد متلقٍّ، عليك أن تسمع وتطيع وترضخ، ولا تجادل أبداً، وإلا ستصبح عاصياً متمرداً خائناً وعميلاً، يستوجب أن تترك من المجتمع كي يسود الاستقرار والنعيم! الاستقرار الذي تحكم به الأنظمة المستبدة قبضتها على السلطة، والنعيم هو ما يتحقق لتلك المنظومة من مكاسب وثروات تحمي نفوذها من السقوط والانهيار. على مدى العصور، شكلت الحرية الهاجس الأهم لهذه الأنظمة التي استخدمت كل الوسائل القمعية والملتوية لإسكات الأصوات الحرة المطالبة بحقها في العدالة والمساواة، فقتل وعذّب على إثر ذلك العلماء والفلاسفة والنقاد فقط لأنهم فكروا بطريقة مختلفة لا تتناسب مع توجهات وتطلعات المتسلط المغرور، الذي تجلت صوره عبر التاريخ بصور الآلهة المتحكمة، التي لا يجوز نقدها أو عصيانها، كما كان سائداً في أغلب الحضارات القديمة، وما إن نال الناس القليل من الوعي حتى غير ذلك المستبد استراتيجياته، وتحالف مع أدعياء الدين، الذين أضفوا عليه القداسة، وأوجبوا له الطاعة مقابل الاستفادة على حساب الشعوب. هذا هو التاريخ، وما حال البشرية اليوم بمختلفة عن ذلك السياق العقيم، كل ما في الأمر أن الأدوات والأساليب المستخدمة في القمع تطورت لتواكب زمن العولمة والحقوق الانسانية، تلك الحقوق التي نسمع عنها ولا نرى منها سوى تلك القشور البراقة بالتصريحات والشعارات الرنانة، وجوفها مظلم وعميق من يسقط به صعب أن يستفيق. وكما قال أفلاطون «لو أمطرت السماء حرية لرأيت بعض العبيد يحملون مظلات».
سعت الأنظمة المستبدة إلى تجهيل شعوبها على مدى العصور، حتى خلقوا منهم عبيداً راضخين منساقين، يبجلون الطغيان ويخشون الخروج من القوالب الفكرية، التي صممت لهم، خوفاً من الانحراف عن نهج الماضي، الذي بعصيانه تحل اللعنات والنكبات! فأصبحوا بذلك مدافعين شرسين عن هؤلاء الطغاة يتقبلون تمردهم وظلمهم، أملاً في قطعة رغيف وسقف أمين! وتلك هي أقصى أمانيهم، التي أيضا سلبت منهم من دون رحمة، لأنهم خرسوا عن الظالم فجار عليهم ونازعهم بما لديهم.
الجهل هو السرج المريح للأنظمة الاستبدادية، فهو الأرضيّة الخصبة التي تترعرع بها لتمارس دكتاتورياتها بشكل مريح، وذلك بفرض إيديولوجيات معينة تسهل من مهمتهم وتقوي من قبضتهم على مصير الشعوب وبمساعدتهم ورضاهم.
والخدعة الكبرى اليوم هي تطويع الديموقراطية لحماية الاستبداد، فلم تعد المجتمعات منعزلة كما كانت في السابق، وأصبح هناك تدويل ورصد من قبل منظمات وهيئات دولية لأي انتهاكات إنسانية تضر بسمعة البلدان ومصالحها الخارجية، وعليه طوّر المستبد آليات جديدة لإحكام سيطرته وضمان استمرار هيمنته بطرق ملتوية، ظاهرها مشروع وباطنها محظور.
ولا نريد أن نذهب بعيداً، فها نحن نرى كيف يزج بأبنائنا في أنحاء مختلفة من الوطن العربي في السجون بسبب كلمة أو رأي أو الدفاع عن حقوق مسلوبة من المجتمع، وبسبب تلك القوانين التي صيغت نصوصها بطريقة مطاطية وتعابير فضفاضة غير محددة وغير واضحة، وتحتمل التأويل، أصبح أبناؤنا، باسم القانون، مجرمين وخائنين، وهم في حقيقة الأمر ضحايا ثغرات ذلك القانون، «إن أردنا أن نصلح من حالنا فعلينا أن نواجه الحقائق كما هي دون تدليس أو تعتيم حتى وإن آلمتنا».
وطننا العربي يعاني نزاعات وصراعات إقليمية دوغمائية ودولية متشعبة، فلا نستطيع مجابهة القوى الدولية العظمى الضليعة في الاستراتيجيات وفنون التخطيط والتكتيك، ونحن في هذا الوهن والضعف والتشتت، ولكننا نستطيع أن نصلح من أنفسنا بالبعد عن خلافاتنا المختلقة التي غرسها المرتزقة والمغرضون وجنى ثمارها المتسلطون، علينا ان نعيد حساباتنا، وان نفكر قليلا بحاضرنا ومستقبل أجيالنا.