انحدار مستوى التعليم
إيمان جوهر حيات
12/10/2018
تقول صديقتي إنها لظروف ما، اضطرت أن تُخرِج أولادها من التعليم الخاص إلى العام، وأنها لاحظت أن الفرق كبير بينهما، حيث تَعَلَم أبناؤها الانضباط والاعتماد على النفس والثقة في كنف التعليم الخاص، الذي أتاح مساحة من الحرية للتلاميذ لتمكينهم من إبداء آرائهم وصقل قدراتهم وتنمية مواهبهم عبر الأنشطة المختلفة في كل المجالات ومنها الأدبية، والفنية والعلمية، وذلك لتحفيز العقل وإكساب التلاميذ المهارات المتعددة، والأهم هو خلق أجواء صحية، بلا تعصب، وتشجع على التعايش، واحترام الآخر المختلف، وللأسف عكس ذلك هو ما يحدث في التعليم العام، البيئة المدرسية طاردة، قذارة دورات المياه، الواجبات والحفظ والتلقين مضاعف، والحقيبة المدرسية ضخمة بالقراطيس والكتب، ولم يعد هناك وقت كما كان في السابق لممارسة الهوايات والأنشطة التي يفضلها الأبناء، وتكمل حديثها: إن العبء أصبح كبيراً ولا يطاق، وأبدت أسفها على حالة الجمود التي تسيطر على مناهج التعليم في بلد كان رائداً وسباقاً، والأدهى من كل هذا هو تفشي ظاهرة العنف بشكلٍ كبير في مدارس الحكومة، وضعف أداء بعض المعلمين وضيق صدورهم بسبب اكتظاظ الفصول أو عدم تأهلهم بشكل جيد، وسوء المنهج، وعدم تعاون بعض الأسر في ترسيخ المفاهيم التربوية والقيم الإنسانية في نفوس أبنائهم، وعدم إلمام بعض المعلمين بالأساليب والطرق الحديثة في التعليم، ومحاولتهم فرض أفكارهم واعتقاداتهم على الطلبة وإغلاق الحوار والنقاش وكأننا لا نزال في زمن الكتاتيب! وعبرت عن حزنها من التغيير السلبي في سلوكيات أبنائها، رغم أنها تخرجت في المدارس الحكومية ذاتها، التي كان مستواها أفضل بكثير من الوضع الحالي، وهي تفكر الآن بالضغط على نفسها ونقل أبنائها مرة أخرى إلى التعليم الخاص خوفاً على مستقبلهم وأخلاقهم. *** تلك هي حالة من حالات عديدة تعاني المشكلة نفسها، لكن ليس الجميع لديه القدرة على تعليم أبنائه بالمدارس الخاصة.
لن نشهد أي تقدم طالما التعليم بيد السياسة والسياسة بيد أغلبية بعضها تحارب المدنية والحداثة وتبحث فقط عن مصلحتها الخاصة، والاعتماد على نظام المحسوبية والواسطة الذي بسببه فقدت درة الخليج بريقها.
أغلب المؤشرات الدولية تشير إلى انحدار مستوى التعليم في الكويت، وآخرها هو تقرير عن التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي والمنشور بتاريخ 13 نوفمبر 2018 على حسابهم الرسمي في الإنترنت www.alpencapital.com، والصادر عن مجموعة ALPEN CAPITAL الاستشارية، الذي سلط الضوء على الكثير من القضايا، منها ارتفاع نسبة الإنفاق الحكومي على التعليم بنسبة %10.2، وتخصيص الحكومة 2.2 مليار دينار، من دون إحراز أي تقدم!
ولا تزال الكويت قابعة في ذيل قائمة دول مجلس التعاون في أغلب المؤشرات الدولية، خاصة في تدني مستوى التعليم.
صُرِفت مبالغ ضخمة على العديد من الدراسات والاستشارات التي لم ولن ترى النور، أليس هذا هدراً للمال العام؟!
إصلاح التعليم وإبعاد الأهواء السياسية المتقلبة عنه أصبحا مطلبين أساسيين، نحن بحاجة الى أن نغير طريقة تفكيرنا لتحقيق التنمية المستدامة المرجوة، فلا فائدة من كثرة الأموال من دون عقول واعية تديرها.
وكما قال المغفور له الدكتور أحمد البغدادي: «التعليم الحقيقي هو ذلك النوع من التعليم، الذي يخلق حالة الحرية وينشرها بين أفراد المجتمع، خصوصا لدى الأطفال والطلبة، حتى في الجامعة التعليم ليس حراً.. نحن نلقن الطالب لكننا لا نعلمه كيف يستخدم عقله أو كيف يجادل ويحاور ويناقش.. نحن في حاجة إلى القضاء على الإستبداد في حياتنا، والتعليم أحد أهم الوسائل لتحقيق هذا الهدف.