انتفاض الطبقة الوسطى
إيمان جوهر حيات
12/2/2019
في بداية التسعينيات قدّم صموئيل هنتنغتون (وهو مفكر سياسي أميركي، وبروفيسور في جامعة هارفارد، توفي في ديسمبر عام 2008) أطروحته في عام 1993 حول «صراع الحضارات»، التي يرى من خلالها أنه «بمجرد انتهاء صراعات ما بعد الحرب الباردة وانتهاء المواجهة الأيديولوجية بين الشيوعية والرأسمالية، ستنشأ صراعات دولية بين البلدان ذات الهويات الثقافية والدينية المختلفة».
وبعيدا عن نظرية المؤامرات، التي يتفنن بها بعض الساسة لزرع الخوف من الغامض المجهول، وبالنظر إلى أغلب الصراعات والثورات والنزاعات التي شهدناها، وسنظل نشهدها، هي صراعات داخلية شعبوية، ناتجة عن تقلص الطبقات الوسطى لغلاء المعيشة وتضخم الأسعار والبطالة، وعدم تكافؤ الفرص، وسوء التعليم والخدمات، وغياب دولة القانون، وتكبيل المشاركة السياسية، والانقسام الطائفي والفئوي، وعدم استيعاب مفهوم المواطنة.
اتساع الفجوة في المجتمع، و اضمحلال الطبقة الوسطى وتقلصها، وتزايد فقر الطبقة الدنيا سبب رئيسي لعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في أي بلد.
الطبقة الوسطى هي رمانة الميزان وحلقة الوصل بين الطبقة العليا (الثرية) والطبقة الدنيا (الفقيرة)، وهي المحرك المهم للاقتصاد، لقدرتها إما على «الإنتاج أو الاستهلاك».
كما أن لهذه الطبقة الوسطى المتعلمة والمهنية والمثقفة، التي من المفترض أن تحظى بمساحة من الحرية، دوراً كبيراً في إحداث التغييرات السياسية والاجتماعية اللازمة لدعم النمو الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
أين طبقتنا الوسطى؟
ربما نحظى بحال أفضل من الدول المحيطة بنا، بسبب ثروة النفط التي نملكها.. أقصد تملكها الدولة، ولكن هل الثراء وحده يبني الأوطان؟
ما زال نظام التعليم الحكومي متهالكاً ومُسيساً إلى حد كبير، وغير قادر على تأهيل أجيال منتجة ومعطاءة، وما زالت مخرجات التعليم لا تتناسب مع احتياجات سوق العمل، وعدم تكافؤ الفرص في الوظائف العامة التي هي حقل للواسطات والترضيات.
وفقدان أغلب أفراد المجتمع الثقة بكل مؤسسات الدولة، سواء التنفيذية أو التشريعية أو الرقابية، بسبب تفشي الفساد!
وضعف القطاع الخاص، الذي أغلبه يعتمد على عطاءات الحكومة! ولا اعلم كيف سيجري تخصيص أهم قطاعات الدولة إلى قطاع خاص ريعي يقتات على سخاء ومحاصصة الحكومة.
فكيف لا تتلاشى الطبقة الوسطى في ظل الإخفاقات المتتالية، التي خلقتها الإدارات السابقة، فحولت المجتمع الكويتي من مجتمع مكافح ومنتج إلى مجتمع اتكالي مستهلك، ومن ثم تركته وحيداً ليواجه مصيره وهو مثقل بالديون والأعباء، التي اضطر بعض المواطنين الى تحملها لأجل توفير تعليم جيد لأبنائهم، بعيدا عن مدارس الحكومة المتهالكة إداريا ومنهجيا، أو للعلاج خارج البلاد لازدحام طابور العلاج الحكومي الخاص ببعض المتنفذين والمحسوبين عليهم، أو لدفع إيجار باهظ لتوفير سكن لائق لأسرهم بانتظار الدور الطويل لقرعة الإسكان.. إلخ.
الطبقة الوسطى تنتفض، فالعمران الكونكريتي وحده لا يعني اي شيء من دون إطلاق الحريات والبعد عن سياسة فرق تسد، التي عمقت حالة التشرذم الثقافي والفكري بين فئات المجتمع لأهداف لا عمق لها، واستبدال الاقتصاد الريعي باقتصاد تنموي قائم على التنمية البشرية، التي تبني عقل ووعي المواطن وتصقل قدراته العلمية والمهنية وتؤهله لقيادة المستقبل.