أين نخبنا المثقفة؟

إيمان جوهر حيات

11/19/2018

نعيش في زمن متسارع ومتغير وشديد التعقيد، ولن نتجاوز هالة الجهل والتخلف والضياع التي طوقت مجتمعاتنا حتى تدرك الشعوب أن المواطنة مشاركة. هنا يأتي دور النخب المثقفة المنتجة للابتكار والإبداع والمنوط بها تفعيل دور العقل والفكر لتحرير الإنسان من قيود الجهل وخلق مجتمع واع قادر على إدارة أموره، ولكن أين هي نخبنا المثقفة؟ للأسف اغلب نخبنا المثقفة والمبدعة هُجرت بسبب تضييق الحريات الذي تمارسه بعض الدول العربية على الرأي والكلمة، علماً بأن أعرق وأفضل الجامعات والمشافي والشركات العالمية في الدول الغربية تحتضن كوادر عربية متخصصة في أدق التخصصات، وأدباء ومفكرين لهم نظرة مستقبلية مستنيرة يحظون بالرعاية والدعم من دول تحترم الآراء وتقدر الكفاءات… لماذا لا نحتضن أبناءنا ونفسح لهم المجال ليقودوا نهضتنا؟

الاستبداد يخلق الخوف، والخوف يقود للفساد.

انظر لأبواق بعض النخب المثقفة والمدجنة التي نسيت دورها التوعوي والإرشادي والناقد، وأصبحت مجرد أداة رخيصة بيد كل من يدفع لها أكثر، وآخرون صامتون خائفون من سوط السلطة الدكتاتورية ونبذ المجتمع المغيب بمناهج تلقينية بائدة عززتها ودعمتها ذات السلطة!

وهناك قلة من النخب المثقفة التي ناضلت وكافحت ونالت من الهم والقمع ما نالت لأنها رفضت الخضوع والاستسلام!

أليس هذا فسادا؟!

ان دور النخب بشكل عام مهم في المجتمعات، خاصة النخب المثقفة التي غايتها الأساسية هي خلق مجتمع إنساني واع ومتعايش بسلام.

فلو نظرنا لنهضة أوروبا التي لم تأت إلا بجهود نخبة من المفكرين والكتاب والمثقفين أمثال جون لوك وفولتير وجان جاك روسو وماركس وغيرهم، الذين قاموا بفتح أبواب النقد والجدل الموصدة بأقفال الكنيسة والسلطة المؤلهة، وأثروا فكر المجتمع بالحوار العقلاني والعلمي البعيد عن الخرافات والخزعبلات التي كانت سائدة آنذاك، واستمروا رغم كل العوائق التي اعترضتهم حتى أحدثوا ثقبا أشعّت من خلاله الأنوار وتبدد الظلام.

لا أطالب ان نقتبس تجربتهم، ولكن هل لنا ان نبصر ونتعلم؟!

هذا هو الدور الحقيقي للمثقف الحر الذي نفتقده في اغلب مجتمعاتنا العربية للأسف، مثقف تتسع مداركه مستوعبة كل المستجدات بشكل موضوعي ومحايد وبعيد كل البعد عن الشخصانية التي لا تقود إلا للتعجرف والانعزال في برج عاجي بعيد عن المعاناة الحقيقية للناس.

لن يتبدد الفساد إلا عن طريق فتح قنوات حوار بين النخب المثقفة وكل أفراد المجتمع وتوعيتهم وفتح آفاقهم لاستيعاب التغيير والتأقلم على ثقافة الانفتاح التي تحترم الحقوق الإنسانية وتستوعب الاختلاف.

السلطة الدكتاتورية هي من تسعى لقمع أو تطويع تلك النخب المثقفة خوفاً من إثارة وعي الشعب الذي يترتب عليه مساءلات هي ترى انها في غنى عنها، وهي غير مدركة انها تخلق بذلك طفيليات ومرتزقة يقتنصون المهمشين والمضطهدين لأجنداتهم التخريبية المهددة لأمن واستقرار المجتمع والدولة، والشواهد من حولنا كثيرة ولا تحصى.

لا ينبغي الخشية من الحراك الاجتماعي السلمي والمنظم الذي يقود لنهضة المجتمع عن طريق استيعاب آراء كافة شرائح المجتمع من دون تمييز والإنصات لمتطلباتهم وآمالهم وتطلعاتهم وإشراكهم في تقرير مصيرهم وتمكينهم من ادارة شؤونهم وهذا يحتاج إتاحة مساحة من الحريات لتتلاقى وتتطارح الأفكار والآراء لتصوغ رؤية توافقية تقرب بها المسافات بين أفراد المجتمع وتذيب الخلافات.. ان مسؤولية النخب المثقفة هنا هي إخراج المجتمع من حالة الجمود والركود، وتأسيس ثقافة تحترم المبادئ والقيم الإنسانية التي هي ركن مهم من أركان النهضة وسمة من سمات التحضر، فإن وجدت الرغبة الصادقة للإصلاح تبددت كل العوائق.

فهل نخبنا المثقفة قادرة على أداء واجبها الإنساني تجاه المجتمعات العربية؟