أزمة انتماء

إيمان جوهر حيات

11/23/2020

تتجلى أشكال العنصرية وتتصاعد وتيرتها في كل موسم انتخابي، فيظهر ذلك القبح المختبئ خلف الابتسامة المزيفة وتظهر هشاشة المجتمع المنقسم على ذاته، وتسود لغة التخوين بين فئاته المختلفة رغم الشعارات الكثيرة التي تشيد بالتآلف وتدعوا للوحدة الوطنية

كلما قرأت بعض المقالات والتغريدات أو شاهدت بعض المقابلات أو المقاطع المرئية، ارى انعكاس لصراع قديم وأزلي لم تهذبه السنين بل أصبح مرض مزمن في جسد الدولة التي لم تستفيد من تجارب الماضي وتطور نفسها بما يتلاءم ويتوافق مع متطلبات الحاضر والمستقبل

كانت مثلا الستينات والسبعينيات فترة ازدهار الكويت بإدارة شبه منفتحة بطابع ليبرالي يساري وكانت محددات الإنتماء في تلك الفترة شكلية اقتصادية، ذات منحى عرقي طبقي، وما أن دخلت فترة الثمانينات حتى أضيف لتلك المحددات التعصب الديني الذي ساد إبان الحرب العراقية الإيرانية واستمر هذا النهج يزداد تطرفا بعد الغزو الغاشم بسبب هيمنة التيارات المتشددة التى تحظى بتنظيم ساهمت في دعمه السلطة لعمل نوع من التوازن حسب تقديرهم آنذاك، ولأجل بسط السيطرة

أصبح الفساد هو حديث الساعة الغير منقطع، واستمر المجتمع تحت التقسيم الذي تمدد وتشعب وتعقد، حتى وصل الى اللهجة التي أصبحت محل نزاع، و أحد محددات الإنتماء، ومن يتحدث بلهجة مختلفة عن لهجة اهل الجنوب يصبح كويتي بانتماء منخفض، وقد أدى ذلك لشعور البعض بالتمييز والعنصرية، وآخرين استخدموا سياسة الحرباء وسلخوا جلودهم،وتلونوا باللون السائد ليحظوا بشعور الانتماء ونيل بعض المكاسب

المجتمع الكويتي تكوّن نتاج هجرات من بيئات مختلفة وهذا الاختلاف هو جزء من كينونته، فكيف أصبح للهجة معينة سلطة ونفوذ أكبر من اللهجات الأخرى وهي مجرد وسيلة ديناميكية للتواصل تختلف باختلاف البيئة الحاضنة

الصراع الدائر بين طبقات المجتمع المختلفة، هو صراع نفوذ وسلطة وما العنصرية التي نشهدها تطفوا على السطح بين الحين والآخر إلا لأسباب اقتصادية بحته، حيث ترى الطبقة العليا التي تعتبر نفسها صاحبة الأصالة والعراقة أهمية الحفاظ على مكتسباتها وتحالفاتها المختلفة مع السلطة

بينما جزء من أفراد الطبقة الوسطى ينظرون بترقب وقلق لما يحدث فوقهم، وجزء يحاول التودد وكسب رضا تلك الطبقة المهيمنة بتقليد نمط معيشتها المترف كما حدث في أيام سوق المناخ عندما كان التنافس على أشده لإظهار البذخ والبهرجة التي أغلبها عبارة عن التزامات وديون بنكية،والطبقة المغلوب على امرها فضل بعضهم البقاء في عزلة وصمت، وآخرين حاولوا أن ينخرطوا في هذا المولد الكبير لعلهم يجدون مخرجا

الحصيلة هي ذبول الوطنية وضمور الانتماء.

كيف وصل الفكر لهذه المرحلة المتدنية هو ما يجب أن نفهمه ونواجهه بموضوعية وحياد تام

ارتفاع الصوت العنصري ضد اغلب المقيمين، وكذلك عديمي الجنسية الذين تجاهلت مطالبهم و ندائهم مؤخرا الحكومة بتجديد مدة الجهاز المركزي الذي فشل في معالجة أوضاعهم،وما يحمله ذلك من رسالة سلبية،لن تكون نتائجها حميدة على المجتمع والوطن وخاصة في ظل التطورات الدولية غير المستقرة

خلق الشعور بالانتماء وضمان استدامة الرخاء والأمن والاستقرار لا يتحقق من دون رفع سقف الحريات وبسط العدالة التي من خلالها يحظى جميع أفراد المجتمع بحقوقهم وحرياتهم بلا تمييز

لا تنهض الأوطان إلا بثقة شعوبها