أزمة ثقة

إيمان جوهر حيات

3/11/2019

أصعب شيء على المواطن صاحب الضمير الحي هو أن يرى الفساد يترعرع في وطنه، ولا يستطيع أن يتكلم خوفاً من ردة فعل قد تفقده وظيفته أو مصلحته أو سمعته أو حتى حياته، أو لفقدانه الأمل. وسيتحول هذا الإنسان المكبوت بسبب القوانين المقيدة، إما الى يائس ويكون شغله الشاغل هو تأمين نفسه وأسرته خارج حدود البلد، وإما أن يتحول إلى ناقم ومعارض شرس يتلذذ بكسر القيود، التي كتمت أنفاسه وسلبته حقوقه المكفولة على الورق في الغالب! الفاسد المحصن يغرف، وسيظل يغرف من خيرات البلد حتى آخر رمق دون حسيب ولا رقيب، ونحن من نغرق في الفساد الذي نخر البنية التحتية للبلد، وكأن الوطن عزبة خاصة لهؤلاء، والمواطنين ليسوا سوى عالة، والمفترض عليهم أن يرضوا بالمقسوم لهم إن وجد، ويحمدوا ربهم ويلتزموا الصمت! المشهد الذي نراه حزين ولا يبشر بالخير رغم التصريحات والوعود الكثيرة الداعية للإصلاح والتنمية ومحاربة الفساد! وقد صرح رئيس مجلس الوزراء، في كلمته التي ألقاها في افتتاح دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الخامس عشر لمجلس الأمة، أن «لا حماية لفاسد ولا تستر على مسؤول منحرف، وأن حماية المال العام واجب وطني». في المقابل، نشاهد تصريحات بعض نواب مجلس الأمة، الذين يتحدثون عن اتفاقات بعض النواب مع الحكومة مقابل مساومات على قضايا مستحق طرحها وإيجاد الحلول الجذرية لها.

ماذا يحدث في البلد؟ وكيف نثق بكم ومازال سراق المال العام طلقاء أحرار منعمين خارج البلاد دون أن يرصدهم الانتربول، وسط تغافل أغلبية أعضاء مجلس الأمة، الذين حولوا قبة عبدالله السالم إلى قاعدة لإطلاق الفقاعات الفارغة وتراشق الاتهامات، بما لا يعود بالنفع على المجتمع؟!

كيف لنا أن نثق بكم وقضية الشهادات المزورة التي أشعلت الشارع الكويتي نظراً لخطورتها مازالت مبهمة؟!

كيف نثق بكم وشوارعنا، التي شيِّدت حديثا، غرقت بزخة مطر، ولم يسلم المواطن ولا المقيم ولا الزائر من ذلك الحصم، الذي أضر ممتلكاتهم بلا اهتمام من قبل الحكومة؟ وهل جسورنا التي شيَّدها المقاول (المتهم) والتي تتغنى بإنجازها الحكومة آمنة؟ كيف نثق بكم ونحن نرى تخبط الحكومة بإدارة أبسط الأزمات؟

الحكومة التي تسعى إلى إرضاء المنظمات الدولية بشتى الطرق، بينما تتناسى الأهم، وهو كيفية بناء الثقة في نفوس مواطنيها الذين هم الحصن الحصين لها في الشدائد والمحن ـ هي حكومة تفتقر الى الحكمة.

بناء تلك الثقة يبدأ بتوعية المواطن وتثقيفه لكي يكون شريكا فاعلا ومنجزا في كل المجالات دون استثناء، ويحتاج ذلك أن تضع الإدارة في حسبانها مصلحة الشعب في كل خطوة تخطوها.. وإنشاء تلك العلاقة لا يكون بالأقوال، بل بالأفعال التي يستطيع أن يراها الشعب ويشعر بالتغيير الذي يصبّ في مصلحته ومصلحة مجتمعه ووطنه، وقبل مطالبة المواطن بتطبيق القانون واحترامه لا بد أن يرى المواطن أن هذا القانون يطبق بلا تمييز على المسؤول قبل المواطن البسيط. وإلا لن يصبح له هيبة ولا احترام.