بين شِقَّي رَحى‎

إيمان جوهر حيات

7/6/2021

لو تساءلنا بموضوعية: ماذا استفاد المجتمع من تصعيد الخلافات السياسية غير تعطيل أحوال الناس لأجل غير معلوم، بل أصبح بعض أفراد المجتمع الذين عاصروا وشهدوا الاخفاقات المتكررة يشككون في طبيعة تلك التصعيدات ولا يرون سوى عرض مستهلك كئيب على خشبة مسرح العرائس.

للأسف ما يحدث في المجتمع من فقدان الثقة في أغلب مؤسسات البلد، والإحباط واليأس ليس وليد اليوم، بل هو وليد تراكمات من الاخفاقات والتعتيم والترقيعات الهشة التي تسببت في انعدام ثقة المجتمع والقلق من الغد وارتفاع حدة الشك والتخوين، مجموعة هذه الأحاسيس كفيلة بإنشاء انسان بلا أمل وفقدان الأمل في كثير من الأحيان يقود هذا الإنسان اما للإحباط واليأس ومن ثم الاستسلام، أو التمرد والعنف و الانتقام، أو التحايل والنفاق، وهذا بحد ذاته هدر في الطاقات البشرية التي من المفترض أن ترعاها وتحميها الدولة وتؤهلها لإدارة المستقبل ولا تتركها عرضة لاستغلال المتنفذين من أصحاب المصالح الذين يرفضون احداث التغير الاجتماعي الذي يهدد امتيازاتهم التي تحصلوا عليها بالوراثة أو بالمحاصصة.

تفشي ظاهرة العنف وازدياد نسبة الجرائم والإدمان في المجتمع التي تعود لعدة عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية واقتصادية وكذلك سياسية، حيث تتحكم السياسة العامة للبلد بأغلب تلك العوامل التي تؤثر في حياة الناس بشكل مباشر وغير مباشر وما ينتج عن ذلك من رد فعل طبيعي لسوء الإدارة التي تفتقد بعد النظر، والسكوت أو التجاهل عما يحدث من انحدار على اغلب الأصعدة من دون أخذ ودراسة الأسباب التي أدت لذلك ستكون عواقبه وخيمة على حاضر البلد ومستقبله، فلا يمكن أن يزدهر اقتصاد ولا ترتقي السياسة بوجود بنية اجتماعية منهكة ومتهالكة تتخبطها الأخطار من كل مكان بسبب ادارة صبت اهتمامها في مراقبة ورصد سلوكيات أفراد المجتمع ليس لأجل فهمها وتقويمها، بل لأجل السيطرة عليها وإخضاعها من خلال تقييد الحريات وانتهاك الحقوق، وتغييب الوعي.

اجمع أغلب المتذمرين من سوء أحوال البلد على ضرورة إصلاح النظام السياسي والاقتصادي والمالي، وقلة هم من اهتموا بالجانبين الاجتماعي والنفسي لأفراد هذا المجتمع الذين أصبحوا بين شِقَّي رَحى الحكومة والبرلمان، وكلاهما عن هموم المجتمع مغيبان، هناك من ينتظر بيت العمر؟ وهناك من أرهقته البيروقراطية؟ وهناك من يتمنى تعليما مناسبا لأبنائه؟ وهناك من يرغب أن يعبر بحرية؟ وآخرون يتمنون الخروج من عتمة فقدان الهوية ويرغبون في استعادة حقوقهم الإنسانية؟

ابناؤنا في خطر حسب إحصائيات رسمية رصدت القفزة الكبيرة في نسبة الجرائم والإدمان والطلاق والعنف، فلم تعد المدارس آمنة ولا الأسواق ولا حتى مواقف السيارات، وما يحدث من تصعيد بين الحكومة والبرلمان لن ينقذ المجتمع.

يجب على المؤسسات المنوط بها وضع الخطط والاستراتيجيات العامة للبلد ومؤسسات المجتمع المدني قراءة ما يحدث بطريقة منهجية والتحلي بالمسؤولية والتحرر من كل أشكال التبعية والقيود والالتفات الى ما ترصده الإحصائيات التي تدق نواقيس الخطر منذ سنوات على تدهور البنية الاجتماعية، تفشي العنف وارتفاع معدلات الجرائم في المجتمع ليست فقاعة تُثار لاشغال الناس، بل تلك كارثة يجب احتواؤها ومواجهتها من جميع مؤسسات البلد ليس من خلال الردع فقط بل بالمساعدة والعلاج، حمايةً لأجيالنا وحماية لمصلحة هذا الوطن.

بين شقي الرحى
بين شقي الرحى