ضجيج القواطي
إيمان جوهر حيات
9/3/2018
«هنا في هذه المدينة لم يقتلونا بالرصاص.. بل قتلونا بالقرارات». (غابرييل غارسيا ماركيز) هو ذلك الروائي والصحافي والناشط السياسي الكولومبي، الذي منعت روايته «مئة عام من العزلة»، وهي من أهم الأعمال الأدبية العالمية، وهي من أكثر الروايات مبيعاً، مترجمة الى عدة لغات، كتبت في عام 1965، ونشرت عام 1967، وللأسف منع تداول هذه الرواية في الكويت، التي كانت منارة الأدب والثقافة! كما منع العديد من الكتب قبلها بسبب أعراف وسياسة وغيرها من الامور التي خطت طريق تراجعنا. وبالفعل بالرصاص يموت الإنسان، وتنتهي مسيرته بتلك الطلقة، بينما تلك القرارات غير الواعية وغير المدروسة، عندما تصدر من مسؤول ذي سلطة وهيمنة، يكون ضررها ساري التأثير على كيان المجتمع. منع الكتب في عصر العولمة أمر هزلي وغير حضاري، وانه من المؤسف جداً أن نسمع مثل تلك الأمور تحدث في بلد كان يحتضن المفكرين والأدباء من كل أنحاء العالم، ليكون بذلك مركزاً ثقافياً مرموقاً منافساً لمن سبقوه، وقدوة لمن يأتي بعده.
إلى أين يا كويت؟
سيظل الحبل مشدوداً بين من يظنون أنفسهم على حق، ومن يعتقدون انهم الأحق، والمتفرجون أغلبيتهم مؤدلجون بين هذا وذاك.
لن نستطيع ان نرى بريق الإصلاح.. وفي المشاعر الدفينة لدينا على الآخرين ترسبات موروثة متأصلة في الأعماق، واقتلاعها أصبح عصياً على البعض، لأن الإدراك والوعي توقفا عندهم في الماضي غير القابل للنقد والتغيير، وأغفلوا أن لكل زمان أحكامه، فالزمان حر طليق لا يتوقف ويكره التقييد.
التغيير لا يلزمك بخلع ثوبك! ولكنه يطالبك باستيعاب من أثوابهم مختلفة عن ثوبك وعدم نبذهم.
يؤسفني كثيراً ما آلت إليه الحال في وطني، لم تقيد به الكلمة فحسب، بل أصبح كل نَفَس مختلف مُحارباً من فريق ذي نفوذ يدعي المحافظة والالتزام، ولا يكتفي بذلك، بل إنه يفرض معتقداته وأفكاره على كل من يود أن يسلم من نيرانه!
وفي المشهد الآخر، أرى فريقاً ممن يدعون الإصلاح والتنوير يحاربون تلك الجماعات المحافظة والمتعصبة، ويحاولون أن يبينوا للناس عقم الأفكار الهدامة لهؤلاء، التي قسمت المجتمع، وكذلك محاربة بعضهم لبعض من الداخل، بسبب بعض الخلافات الماضوية، التي أبوا ان يتخلصوا من ثقلها، فأنهكتهم عن مواصلة دربهم، وأضعفت من مصداقيتهم أمام أغلبية المجتمع.
وآخرون كل ما يهمهم هو أن لا تتضرر مصالحهم الخاصة بخلافات أحد الفريقين المتنازعين، ويفضلون الحياد والمراقبة من بعيد.
تناسوا جميعاً، رغم اختلافاتهم العديدة واعتقاداتهم وأفكارهم المختلفة، انهم شركاء بهذا الوطن، ولغة التراشق والتخوين المستمرة لن تنقذ المجتمع، ولن ترتقي بالوطن.
وأعيد وأكرر نحن بحاجة الى حوار «عقلاني» بعيد عن المحاسبة و«المعايرة» والقذف والنبذ والتصغير والإقصاء، حوار غايته انتشال المجتمع من وحل الطائفية والمحسوبية والواسطة والفساد، وإرساء العدالة والمساواة واحترام الاختلاف، حوار يخلو من المحاصصة والترضيات لبعض الفئات، حوار ينظر الى افراد المجتمع جميعاً على أنهم شركاء لا أدوات.
منع الكتب مجرد نوع من أنواع الضغوطات، التي تُمارس لإحداث بعض الضجة والخلافات، والحل هو الرشد والحكمة والبعد عن ضجة العلب (القواطي) الفارغة التي أصابتنا بالصداع.