آمال المغيبين

إيمان جوهر حيات

1/29/2018

علاء الدين والمصباح السحري هي قصة خيالية شرقية، تمت إضافتها إلى قصص ألف ليلة وليلة في القرن الثامن عشر من قبل المستشرق الفرنسي أنطوان جالان. علاء الدين هو شاب فقير ويتيم الأب. شاءت الظروف أن يجد كنزا ثمينا متمثلا بمصباح سحري به مارد قوي ملزم بتلبية طلبات مقتني ذلك المصباح، ومن لا شيء يصبح علاء الدين غنياً وقوياً ويتخطى كل العراقيل والصعاب بمساعدة ذلك المارد ويتزوج ابنة الإمبراطور الذي يحب الأميرة بدر البدور، التي في بعض القصص الأخرى يطلق عليها اسم ياسمين، ويعيش بسعادة ورخاء من دون تعب ومشقة وعناء. مَن منّا لا يتمنى أن يحظى بمثل هذا المصباح السحري العجيب وينال كل أمانيه من دون كلل وشقاء؟ هذا المارد هو بمنزلة المخلّص الذي ينتظره الكثيرون من المستضعفين والفقراء والمساكين والمنكوبين الذين يشعرون بالقهر والضيق من أوضاعهم، واضعين الأمل ومتوهمين بخروج ذلك المنقذ البطل الذي بيده أن يفرج كربهم ويخرجهم من محنتهم من دون أن يبذلوا جهدا ويحاولوا أن يغيروا من واقع أحوالهم بأنفسهم.

تقديس الخرافات والأساطير لن يحل قضايانا الشائكة، بل سيزيدها تعقيدا، فلن تتنزل علينا الحلول على طبق من ذهب، ونحن نعيد نفس أخطاء الماضي من دون وعي وإدراك للواقع المعاش ومن دون بعد نظر للمستقبل المرجو تحقيقه. ما يحدث من حولنا لم يعد ناقوسا للخطر، بل هو الخطر بعينه، أمتنا تعاني من الفساد وويلات الحروب والفقر والتشريد والمرض والتقسيم وصراعات إيديولوجية مختلقة تقصي المختلف وتنبذ التعددية وتوسع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، بسبب خلافات عقيمة أساسها يكمن في تلك المطامع السلطوية والمادية المتخفية غالبا بجلباب الدين والعادات والتقاليد والأعراف، توارثت عبر الأجيال وأصبحت (هذه الأفكار والتقاليد) منهاجا منغلقا غير قابل للنقد والمراجعة والتغيير بسبب ما ألصق به من قدسية.

يقول ابن خلدون: «اتباع التقاليد لا يعني أن الأموات أحياء، بل ان الأحياء أموات»، من دون الوعي وإعمار العقل بالعلم والمعرفة لن نستطيع أن ننقذ أنفسنا من هذا الزيف الكبير الذي نعيش فيه، وكشف الستار عن هذا التدليس والتضليل الذي فتك بشعوبنا بلا شفقة ولا رحمة، وانتهك حقوق الإنسان الطبيعية.

علينا أن نوقن أن مصباح علاء الدين أسطورة وأن مارد المصباح وهم يسكن في عقول المستضعفين المغيبين عن الواقع والخاضعين لما لفق عبر التاريخ من خداع، وأصبح غير قابل للنقد والتمحيص ورسخ في عقول الأولين وورث لنا جيلا بعد جيل حتى أصبحنا اليوم في وضع لا نحسد عليه.

المارد الحقيقي يكمن في تلك العقول الواعية والنيرة بالعلم التي تبحث وتدرس وتنتقد وتراجع وتدقق وتراقب وتطور وتغير من نهجها بما يتوافق مع زمانها، هي تلك العقول التي ترفض الاستسلام للوهم وترفض الخنوع للظلم وتطالب بالعدالة والحرية والمساواة لكل إنسان من دون النظر الى أصله أو فئته أو قبيلته أو جنسه أو طائفته.

نهض الغرب من سطوة العصور الوسطى عندما حطّم القيود وتخلّص من الأساطير، واجتهد في إعمار العقل، في حين أغفلت أمتنا ذلك وسعى مستبدوها لتجهيل عقول الشعوب وتقسيم الصفوف وترويض النفوس بقبول الاستسلام والخنوع، حتى فقدت الأمة كيانها في متاهات الماضي، تثار من خلافاته، متمسكة بخرافاته، فأصبحت ضعيفة هشيمة تعصف بها الرياح كيفما تشاء.