الاستبداد الفكري
إيمان جوهر حيات
5/28/2018
عندما تشرع قوانين مقيدة للحريات، ويصادر حق الفرد، الذي كفلته له المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ودستور البلاد بحرية الرأي والبحث العلمي وحق التعبير عن الرأي بالقول أو الكتابة أو غيرهما، كما جاء في المادة ٣٦ من دستور دولة الكويت.. يتوجب علينا التوقف هنا، والسؤال: هل الحكومة والمجلس على دراية بإحباط المواطنين من هذا التخبّط الذي نشهده من جراء تشريعات بعض من النواب المتشدّدين فكريا الذين تسلقوا على ظهر الديموقراطية، وبمساعدة حكومية، رغبة منهم في قمعها والتخلّص منها؟ ومن دفع ثمن سوء تشريعاتهم هم أبناؤنا الذين زجوا في السجون وهُجروا بسبب رأي أرادوا أن يعبروا عنه فكان الضياع هو مصيرهم والتشريد هو حالهم، لماذا؟! لو نظرنا الى مسيرة الديموقراطية في الكويت فسنجد هذا الكم الهائل من النزاعات والصراعات المتتالية منذ أولى الجلسات في ٢٩ يناير ١٩٦٣ حتى يومنا هذا من دون أن يستفاد من هفوات الماضي بأي شيء، فهل هذا سوء إدارة، أو هو أسلوب متعمّد استخدامه لوأد الديموقراطية؟! جملة الشعب مصدر السلطات تقلق البعض من المسؤولين الذين استخدموا منذ الأزل أسلوب العطايا والمنح لإخراس الأفواه وشراء الضمائر، وها نحن نشهد اليوم باعتراف وتصريحات بعض نواب الامة عن هذا الهدر للمال السياسي في سبيل تمرير اجندات وتعتيم أخرى! بين قومية وليبرالية وإسلام سياسي سارت سفينتنا ولَم تستقر بعد على شاطئ الديموقراطية، الذي وجهنا له الدستور، فها هي الحكومة تتحالف مع تيارات الإسلام السياسي التي تحاول أن تفرض أجندتها على الشارع الكويتي تارة باسم الدين وتارة اخرى باسم الأعراف والتقاليد، والحقيقة هي بعيدة كل البعد عن ذلك، فهي مجرد اداة للحكومة والتيارات المهيمنة لتحقيق مكاسب ومصالح.
لقد سئمنا مسرحيات وتصريحات البعض في المجلس غير المسؤولة وغير الواعية، حيث أهملت القضايا المهمة والمصيرية التي تهم المجتمع والوطن وأصبحت القضايا والفقاعات الوهمية هي حديث المجلس والشارع الكويتي، ونظل ندور في دائرة مغلقة حول أنفسنا وتتضخم مشاكلنا وتتعثّر الحلول!
وآخر تلك الفقاعات، وليس أخيرها، هو منع السلطات الكويتية وتحت ضغط من بعض نواب الإسلام السياسي والمتعصّبين فكريا الأديب والمفكر والروائي المصري د.يوسف زيدان من إلقاء ندوة فكرية بعنوان الأفق الروحي للانسانية، ولقي ذلك ترحيبا كبيرا من النواب المتعصبين واتباعهم المدافعين عن الثوابت المختلقة والدخيلة، وتذمرا من النشطاء والحقوقيين الذين رأوا في ذلك حجبا لحرية التعبير المكفولة بالدستور وانصياعا لهيمنة التيارات المتعصّبة والمعادية للمدنية والحريات، كما صرح الدكتور يوسف زيدان الذي استذكر زياراته العديدة للكويت والترحيب الذي حظي به من أهلها وتكريم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي له، وكذلك تطوعه لتلبية طلب حكومي كويتي لتقديم مشروع تطوير لدار الكتب الوطنية الكويتية، وارجع سبب إلغاء ندوته لأيادي الإخوان المتأسلمين وشراذم المتسلفين المتسلقين، ما حدث بكل تأكيد تصرف مشين وغير مقبول جملة وتفصيلا لما فيه إساءة لسمعة الكويت وتسلط على الرأي والفكر وتقييده.
يبدو ان الحكومة تتعمّد خلق المشاكل المتتالية لإشعال الشارع الكويتي وتشتيت ذهنه عن الأمور المصيرية التي تؤثر به وتهمه.. فلم نر انفعال أهل الثوابت من بعض النواب واتباعهم وداعميهم على قضايا الفساد المستشري في البلد، والتي لا تثار الا للتكسب. اين أهل الثوابت وأصحاب التشريعات المقيدة للحرية مما يحدث في صندوق البلد السيادي والتأمينات الاجتماعية وهدر المال السياسي، والمخالفات المرصودة في تقارير ديوان المحاسبة وقضية «البدون» الأزلية.. الخ؟
سياسة التغييب لم تعد مجدية يا «رشيدة»، ونحن اليوم في أمسّ الحاجة الى تلاحم المجتمع الذي لن يتحقّق الا بإدارة واعية تضع أمام عينيها مصلحة الوطن لا مصلحتها الخاصة، وإن أردت التغيير فأنت قادرة على ذلك.