الحق في المساءلة

إيمان جوهر حيات

11/9/2020

قبل فترة قصيرة ذهبت إلى أحد المرافق الحكومية لإنجاز بعض الأعمال وتقطعت أنفاسي وأنا أحوم حول مكاتب المرفق الحكومي الموزعة على أدوار مختلفة، مستغلة السلم لتفادي زحمة المصعد، وملتزمة بالكمام للاستفسار والتوقيع ولوضع الطوابع، غير الطلبات الأخرى التي يجب أن أحضرها من جهات حكومية مختلفة، وبعد عناء ومساعدة بعض الموظفين التقطت أنفاسي وأنجزت أعمالي، وتساءلت بيني وبين نفسي: ما الذي تغيّر؟ وأين هي تلك الحكومة الإلكترونية او الرقمية او الذكية التي من المفترض أن تربط بين كل مؤسسات الحكومة لتسهيل إنجاز الاعمال وتقديم خدمة ذات جودة أفضل للمواطنين والمقيمين بضغطة زر واحدة؟ وأين ذهبت الأموال المرصودة في خطة التنمية لكويت جديدة 2035، التي بلغت قيمتها ما يقارب الـ42 مليون دينار كويتي، والمفترض الانتهاء منها بحد أقصى 2025، والمخصصة لإصلاح الممارسات الإدارية والبيروقراطية لتعزيز معايير الشفافية والمساءلة الرقابية وفاعلية الجهاز الحكومي؟

ولماذا هبط ترتيب الكويت 5 مراكز عن تصنيف عام 2018، حيث حلت الكويت في المرتبة الرابعة خليجياً، وفي المركز 46 عالمياً من 193 دولة في الرقمنة الحكومية أو ما يعرف بالحكومة الإلكترونية، وفق دراسة استقصائية دورية للأمم المتحدة في هذا الشأن لعام 2020؟ (القبس 11 يوليو 2020).

الضريبة على الأبواب والفجوة بين وعود الحكومة الاصلاحية وما يتم تقديمه كبيرة ومتنامية، صحيح ان بعض الجهات الحكومية بادرت بتطوير انظمتها وبدأت بالفعل في تقديم بعض الخدمات عبر الاونلاين، وهذه خطوة جيدة رغم تأخرها، ولكن مجرد تقديم بعض الخدمات لا يحقق أهداف خطة التنمية التي تسعى للوصول الى ادارة حكومية تتسم بالشفافية وبشبكة معلوماتية مترابطة تضمن حق المواطن في الوصول إلى المعلومات العامة التي تتعلق بسياسات وميزانيات القطاعات الحكومية المختلفة وتقييم أدائها تحقيقاً للحوكمة، التي تعزّز من مصداقية الادارة الحكومية وتمكّن المواطنين من حق المساءلة، التي هي جزء لا يتجزأ من الإدارة الحكومية الرشيدة، والتي تساهم في الحد من مخاطر إساءة استخدام السلطة والممارسات المفسدة التي ذاع صيتها وتورمت منها تقارير ديوان المحاسبة، وأهمية تدشين منصات حكومية لجمع آراء المواطنين ورؤيتهم حول بعض السياسات القائمة أو المراد اتخاذها، ومدى ترابطها بالقرارات الحكومية المتخذة تحقيقاً لمبدأ المشاركة وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة وعمليات إدارة الشؤون العامة، وهذا الأمر يستدعي كما أشار تقرير الأمم المتحدة الخاص بالحكومة الإلكترونية 2020، ضرورة إجراء تحول جذري في الحوكمة وأساليب التفاعل بين الحكومة والمجتمع وطرق اتخاذ القرارات وتقديم الخدمات بدعمٍ من التقنيات الرقمية مع استيعاب للاحتياجات والسياقات المحلية. ويستلزم في البداية استثمارا في رأس المال البشري وتنسيقا دقيقا بين القدرات التكنولوجية والموارد البشرية.

إحداث هذه التغييرات المهمة والالتزام بمبادئ الديموقراطية، التي تتمثل في الشفافية والتعددية ومشاركة المواطنين من دون تمييز في صنع القرار والتمثيل والمساءلة، وتمكين وصول الجميع إلى العدالة، هو أساس لاستدامة الأمن والاستقرار، وتحقيق التنمية المستدامة المرجوة.