الخروج من شرنقة الريعية
إيمان جوهر حيات
6/14/2021
نعيش في أجواء مشحونة بالشك والإحباط والتوجس والقلق والخوف من التصعيدات الخارجية، التي تدخل في حقبة جديدة ممتلئة بالتحولات والتحالفات، التي غيَّرت موازين القوى في العالم، وخاصة في منطقتنا المنهكة والمنهوبة، وتصعيدات محلية أوقفت عجلة التنمية وأنهكت أفراد المجتمع وبددت الثقة المتبقية بمراكز القرار الحكومي، وأصبح التخوين لغة سائدة ومتبادلة بين أغلب الأطراف، وخاصة لكل من يعارض النهج الإداري الجامد الذي مازال متشبثاً بسياسة العصا والجزرة، سياسة عفّى عليها الزمن ومضى!
لم يعد هدر المال العام لحشد الموالين سياسة ناجعة، بل أصبح له ارتداد خطير على مصداقية الحكومة في نظر أغلب أفراد المجتمع، وهذا الأمر غير محمود وسبب رئيسي لما نعيشه اليوم من توترات وعدم الاستقرار.
الإصلاحات المطلوبة تستلزم إدراك أن أجيال اليوم ليسوا كأجيال الأمس، وأجيال الغد لن يكونوا بسماحة أجيال اليوم، أجيال الإنترنت والعالم السيبراني الافتراضي مختلفون في وعيهم وإدراكهم ورؤاهم، ولن يقبلوا المساس بمقدراتهم، ومن الصعب إخضاعهم تحت بعض الشعارات أو العادات والأعراف التي تدعو للخضوع والإذعان والطاعة العمياء، ويفترض احتضانهم والاستفادة من طاقاتهم بدلاً من إهمالهم والسماح لأصحاب المآرب الملوثة باستغلالهم.
أصعب شعور هو انتظار مصير إنسان قريب منك خارج غرفة العمليات، تزيد خفقات قلبك وتستملكك الهواجس، ويصبح الوقت طويلاً وثقيلاً حتى يخرج الجراح بالنبأ الأكيد، الذي قد يفرحك أو يحزنك، وهذا هو الشعور ذاته الذي يشعر به غالبية أبناء الوطن الذين ينتظرون بفارغ الصبر أن يتحمّل من ولّوا المسؤولية الحكومية مهامهم للقيام بواجبهم، فهل سيطول هذا الانتظار؟ وهل من أنيطت بهم المسؤولية يتمتعون بالكفاءة والمهارة الكافيتين لحماية هذا الوطن؟
على الجهات الإدارية المسؤولة في الدولة والمنوط بها رسم الخطط التنموية والاستراتيجية إدراك هذا التغيّر، والتخلي عن الجمود وتمكين هؤلاء الشباب من التعبير عن آرائهم، وتبديد كل العراقيل التي تحول دون تحقيق طموحاتهم التي لن تتحقق من دون عدالة اجتماعية لا تستثني مكوناً من مكونات المجتمع، وإصلاحات تعليمية تهدف إلى إنشاء أجيال واعية منتجة غير مدجنة أو متعصبة، يوظفون على أساس الجدارة لا الواسطة، وإجراء الإصلاحات التنظيمية وَالقانونية المتوافقة مع التغيير، واحترام المبادئ الديموقراطية، وتطبيق الحوكمة والشفافية، من خلال تلك الإجراءات البسيطة التي لا تنظر فقط إلى المدى القصير، بل يهمها ما تحدثه من تغيير جذري على المدى الطويل لإنشاء طاقات بشرية قادرة على حمل أمانة الوطن والحفاظ عليه، وتطوير الوعي المجتمعي العام، يمكن أن تتحقق النهضة المرتقبة التي طال انتظارها ونرى الكويت مركزاً مالياً وتجارياً يدار بعقول وأيادي أبنائه المستقلين والأكفاء، وتتسع الطبقة الوسطى التي أصبحت اليوم في وهن بسبب الصراعات السياسية المتكررة، والتي لا مرسى لها إلا الالتزام بالعقد الاجتماعي والخروج من شرنقة الدولة الريعية إلى رحاب الدولة المدنية.