الخوف والحرية

إيمان جوهر حيات

8/28/2017

وقع فيل صغير أبيض اللون في فخ الصيادين، ثم بيع لرجل ثري يملك حديقة حيوان متكاملة، وعند وصوله الى الحديقة قام العمال المسؤولون بربط أحد أرجل الفيل بسلسلة حديدية قوية، تنتهي بكرة كبيرة من الحديد ووضعوه في مكان قصي من الحديقة. شعر الفيل بالغضب الشديد من هذه المعاملة القاسية وعزم على تحرير نفسه من القيود من دون جدوى، فكلما حاول التحرك وشد السلسلة شعر بألم شديد، ومن ثم استسلم للأمر الواقع ورضخ لتلك القيود وخلد الى النوم. وبعد مدة وأثناء نومه قام العمال بتوجيه من صاحب الحديقة بتغيير الكرة الحديدية الثقيلة بكرة صغيرة من الخشب، طبعا الفرصة صارت سانحة للفيل لتخليص نفسه من القيود والتحرر، ولكن ما حدث هو العكس تماما! فقد تمت برمجة عقل الفيل بأن أي محاولة للتحرر من القيود ستفشل وستترافق بألم شديد، أي برمج عقله على عدم القدرة، وبالتالي فقد إيمانه بقواه الذاتية..

هذه القصة القصيرة المقتبسة تروي واقعنا الذي نعيشه ونعاني منه الكثير. فهي توضح لنا كيف يقع معظم الناس في شباك البرمجة السلبية التي تهيمن وتسيطر على أغلب سلوكياتهم وتصرفاتهم وتسجنهم داخل صندوق صغير من الاعتقادات والأفكار المغلوطة والتي هي بمنزلة الطوق المنيع الذي يقيدهم ويتحكم في عقولهم.

خوف ذلك الفيل من الشعور بالألم واستسلامه منعاه من أن ينال حريته، والخوف هو أعظم عدو يهدد حرية الإنسان.

الرضوخ للمعتقدات والأفكار السلبية التي تشكلت في عقل الإنسان منذ مراحل مبكرة من حياته إما عن طريق الموروث وإما عن طريق استبداد السلطة الحاكمة جعلت منه أسيراً مقيداً لا يستطيع أن يرفع رأسه ويخرجه من ذلك الصندوق القاتم الضيق، خوفاً من أن يصطدم بالحقائق التي من شأنها أن تغير نمط حياته التي اعتاد عليها واستسلم لها، رغم سلبيتها وعدم منطقيتها، وهذا هو المحور الذي يجب ألا نتجاهله.

يعاني الإنسان في مجتمعاتنا من عقد كثيرة مركبة، هناك من يخشى على حاجاته الأساسية ومصير أبنائه من بطش المستبد المسيطر، وآخر يرهب مواجهة الحاضر والمستقبل ويفضل أن يظل سجينا في صومعة الماضي الممتلئة بالخرافات والأكاذيب، وآخر أسير للجهل لا يفقه ما يدور حوله ويعتبر الرضوخ والتبعية للقوى المتسلطة مسلمات طبيعية للأمن والسلامة، والبعض ينافق ليتكسب من كل حدب وصوب.

شعوب كهذه راضخة ومستسلمة لمخاوفها لن تنعم أوطانها بالأمان، بل ستكون عرضة على الدوام للفساد والنكبات، ومن ثم الأفول.

ذلك الخوف الذي منع الفيل من أن ينال حريته هو الخوف ذاته الذي يسكن نفوس العديد من الشعوب الراضخة والمستسلمة لكل مظاهر التجبر والاستبداد والفساد والتهديد والقمع حتى تلاشى الإحساس بالذات وأصبح الإنسان دمية خاوية من المشاعر بلا أي حقوق أو كرامة، وهذه هي غاية المستبد ان تظل الشعوب متخلفة وجبانة لكي يستمر بقاؤه وتدوم هيمنته.

الحرية ثقافة وأسلوب حياة، والخوف هو العدو الأول للحرية.

ولن ننعم بالحرية والديموقراطية حتى تدرك الأنظمة المستبدة والتي بيدها الحل والربط أن زمن العبودية انتهى بلا رجعة.