القادم مختلف لا يحتمل الشعارات‎

إيمان جوهر حيات

11/2/2020

على مر السنوات تخللت مسيرتنا الديموقراطية العديد من الكبوات بسبب عدم الرغبة في تطبيق أهم مبدأ من مبادئ الديموقراطية، وهو أن الشعب مصدر جميع السلطات!

ولو بحثنا قليلا في بدايات وضع الدستور وطريقة النقاش التي دارت بين المؤسسين الأوائل، والمخاوف التي كانت تؤرق الحكومة وبعض مناصريها من رفع سقف الحريات وتمكين أفراد المجتمع من المشاركة في إدارة أمورهم وتحقيق مصالحهم، التي لا تخرج عن نطاق المصلحة العامة للبلد، وكانت حجة تلك المخاوف أن الشعب يحتاج إلى متسع من الوقت حتى يستوعب مضامين ومبادئ الديموقراطية، فلا حرية من دون وعي!

الكلام منطقي ولا غبار عليه، وكان يفترض على الدولة آنذاك أن تبدأ بوضع استراتيجية بعيدة النظر، تتمكن من خلالها من إعادة تأطير عقول أفراد المجتمع وتثقيفهم من خلال منظومة تعليمية تربوية ذات مناهج مدنية متسقة ومتوافقة مع التغيير، يتعلم من خلالها الأفراد طرق التفكير المنهجي العقلاني وتنمي لديهم ثقافة المشاركة، وتحفزهم على الإبداع والإنجاز والإنتاج والمبادرة واحترام الاختلاف والتعايش ونبذ العنف، وتسخير وسائل الإعلام لتكون منبراً نزيهاً وموضوعياً يعكس مشاكل وهموم الشارع الكويتي كما هي من دون تجميل أو تزييف، وإفساح المجال لكل الآراء المختلفة للتعبير عن نفسها من دون تقييد أو تكميم، وإتاحة المجال لمؤسسات المجتمع المدني، التي يفترض أن يكون لها دور كبير كشريك ومكمل لدور الحكومة في تنمية قدرات الأفراد وتنظيم جهودهم وتحفيزهم على ممارسة ما تم تعلمه من مفاهيم مدنية حديثة من خلال إشراكهم في اتخاذ القرارات وتوعيتهم بأهمية العمل التطوعي، الذي يخدم المجتمع، والذي من خلاله يتم تعزيز مفهوم المواطنة وما يترتب عليها من حقوق أساسية مدنية وسياسية… والتزامات تجاه المجتمع والوطن.

السؤال: هل أقدمت الحكومة بما تملك من مقومات واستشاريين وأموال على وضع البنى الهيكلية المتينة لتأسيس عقول تؤمن بالديموقراطية وتعي الثقافة المدنية وتحترم حقوق الإنسان؟

الجواب لا يحتاج منا إلا النظر إلى تهالك نظمنا التعليمية، والتخبط الكبير الذي يعتري أغلب وسائل الإعلام، والدور المتواضع لأغلب مؤسسات المجتمع المدني، وتعطل أغلب مشاريعنا التنموية، والصراع التقليدي الأزلي بين فريق الحداثة وفريق الموروث، الذي عززته بعض القوى الاجتماعية والسياسية المهيمنة، التي ما زالت تعيش في كنف اللادولة وترى نفسها فوق القانون، وإدارة تفتقر إلى التفكير الاستراتيجي لم تهتم بتنمية المواطن معرفياً ونفسياً وثقافياً، والخروج به من مرحلة اللادولة منبع العصبيات إلى مرحلة الدولة، التي تقوم على عقد اجتماعي يرتضيه كل أفراد المجتمع، وقانون يحمي حقوقهم ويصون كرامتهم ويحفظ أمنهم واستقرارهم ولا يميز بينهم!

يترقب العالم مسار الانتخابات الأميركية، التي ستكشف نتائجها اليوم بخوف وتوجس، ونشهد التحولات التي تحدث في تبدل العلاقات بين الدول، وتغيير موازين القوى، والتغيرات الجيوسياسية، مع صعود غير مسبوق لنبرة التطرف والعنصرية، وهذا يتطلب من الإدارة ضرورة إعادة النظر في المنهجية التقليدية السائدة، وإحداث جميع التغييرات المستحقة التي من شأنها حماية كيان الدولة من الداخل، الذي لن يتحقق إلا بتعزيز الثقة في نفوس أفراد المجتمع، وتوحيد صفوفهم من خلال إعادة النظر بكل التشريعات والقوانين غير المتوافقة مع المبادئ المدنية والديموقراطية، والعمل على تحرير العقول من التابوهات الفكرية، والخروج من كنف الريعية، واحترام الحقوق الإنسانية وتطبيق العدالة على الجميع من دون تمييز، والالتزام بالشفافية.

القادم مختلف.