الثقافة البيئية

نشر 16 أكتوبر 2017

إيمان جوهر حيات

1/6/2024

نتحدّث على الدوام في كثير من الأمور التي تؤرِّقنا؛ مثل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. إلخ، ولكن دائماً المشاكل البيئية تسكن في آخر قائمة اهتماماتنا! لماذا؟ هل لأنها بالفعل ليست بتلك الأهمية، أم لقلة الوعي؟ يؤسفني تراجع الكويت نتيجة عدم اهتمام صناع القرار والمتخصصين في مجال البيئة 71 مرتبة لتحتل المركز الــ 113 في الترتيب العالمي وموقعاً متوسطاً بين الدول العربية في مؤشر الأداء البيئي EPI لعام 2016. فقد عرّف مؤتمر استوكهولم عام 1972 ومؤتمر تبليسي عام 1978 البيئة بأنها «مجموعة من النظم الطبيعية والاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها الإنسان والكائنات الأخرى».

أمّا تعريف الثقافة البيئية لدى مؤتمر التعليم النوعي، جامعة الإسكندرية 2006، فهو مفهوم يعبّر عن اكتساب الفرد للمكونات المعرفية والانفعالية والسلوكية، من خلال تفاعله المستمر مع بيئته، التي تسهم في تشكيل سلوك جيد يجعل الفرد قادراً على التفاعل بصورة سليمة معها، ويكون قادراً على نقل هذا السلوك إلى الآخرين من حوله.

إن الثقافة البيئة لا تقتصر على التلوث باختلاف اشكاله، ومشاكل التغيّر المناخي، والاحتباس الحراري.. إلخ، بل هي جزء لا يتجزأ من الثقافة العامة.

فدور البيئة الأسرية مهم في تشكيل وعي الفرد وإدراكه، من خلال التنشئة الاجتماعية للطفل التي يكتسب من خلالها العادات والتقاليد والمعايير، وأهمية توافر الحرية والتشجيع المستمر للأبناء، وتنمية الوعي بذواتهم والبيئة المحيطة بهم. أمّا البيئة التعليمية فتعد منظومة متكاملة تهدف الى التعليم وتنمية الطالب فكرياً وتربوياً وثقافياً وبيئياً، معتمدة على مناهج تعليمية متطورة وبيئة صحية وهيئة تدريسية على وعي تام بأساليب التقنية الحديثة للتعليم والتربية.

ومن خلال مرحلة التأسيس تلك نستطيع إيجاد إنسان حر واع بذاته لديه القدرة على التفكير والتطور والتغيير متكيّف مع بيئته الاجتماعية ومتفاعل معها.

إن تجاهل أهمية الثقافة البيئية، التي تعتبر البيئة الحاضنة الرئيسية للإرث البشري، وعدم الوعي بها من قبل أفراد المجتمع سيؤديان إلى تدمير كل مظاهر الحياة على سطح هذا الكوكب.

فالثقافة البيئية تجعلنا ندرك أهمية التعايش وقيمته، فنحن لا نعيش بمعزل عن العالم، والضرر الذي يتسبّب فيه الفرد بسبب أنانيته أو عدم وعيه وإدراكه سيضر كمّاً هائلاً من البشر؛ لأن الخلل بأحد النظم البيئية في مكان ما يتسبب في تأثيرات في أماكن أخرى قريبة أو بعيدة تضر بالتوازن البيئي الذي يؤثر بدوره في العناصر البيئية، سواء كان هذا العنصر كائناً حياً أو مكوناً طبيعياً.

فمثلاً حرائق آبار النفط الكويتية في أواخر فبراير 1991 إبان الغزو العراقي للكويت، تسبّبت في غيمة سوداء من الملوثات النفطية لم تغطِّ سماء الكويت فحسب، بل تضررت الدول المجاورة لها، وبعض دول الخليج العربي والدول المطلة على المحيط الهندي، مما أدى إلى حصول مشاكل بيئية وتلوث في الجو العام. فلم تكن الكويت هي الوحيدة المتضررة من ذلك، رغم أن الحدث كان على أرضها.

وما المنتظر من إنسان مهمل لم تكن بيئته الأسرية والمدرسية حاضنة وداعمة له، فلن يكون الضرر، إن وجد، على هذا الإنسان وحده فقط، بل ستتأثر بيئته الاجتماعية والمحيطة أيضاً بالضرر نفسه.

الثقافة البيئية هي ثقافة أخلاقية بالدرجة الأولى، تنمّي في الإنسان حب الإنسانية والطبيعة بكل مكوناتها، على حد سواء، وذلك نظراً الى ارتباط بعضها ببعض، والتي من خلالها يتحقق الحوار والتبادل الحضاري بين كل المجتمعات.

فما نحتاج إليه اليوم هو بناء قدرات صنّاع قرار الغد ووعيهم، القادرين على إحداث التغيير ومواكبة التطوّر، وتحقيق التنمية المستدامة.