التحرر من بيت الدمية
نشر 30 ابريل 2018
إيمان جوهر حيات
1/24/2024
بيت الدمية A Doll’s House، هي مسرحية نرويجية، عُرضت لأول مرة على المسرح الملكي الدنماركي في كوبنهاغن في الدنمارك في عام 1879، كتبها هنريك يوهان إبسن Henrik Johan Ibsen؛ (1828 ــ 1906) الكاتب المسرحي النرويجي الكبير، كان من أهم العاملين على ظهور الدراما الواقعية المعاصرة، ويعرف بـ«أبو المسرح الحديث». وله العديد من الأعمال المهمة والمؤثرة. تتحدث المسرحية عن أحداث زوجة سعيدة متعايشة مع سيطرة أعراف الزواج، التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر، وبسبب أحداث معينة تطرأ على تلك العائلة، تتغير الأمور وتختلف المفاهيم، وتتمرد البطلة على ما هو سائد، وتترك زوجها وأسرتها، متحدّية الأعراف والتقاليد السائدة بلا خوف أو تردد، لتبحث عن ذاتها وكيانها المستقل عن المنظومة، التي أُجبرت على أن تكون منصهرة بها من دون إرادتها أو رغبتها. وقد أثارت تلك المسرحية آنذاك جدلاً واسعاً، وذلك نظراً إلى ذكورية المجتمع الذي ينظر الى المرأة كتابع بلا قيمة حقيقية، ومن هذا المنطلق عرض الكاتب فكرته بشكل جريء متصادماً مع المجتمع، رغبة منه في إحداث تغيير فكري إصلاحي يرتقي بنظرة المجتمع للمرأة الإنسانة، التي لم تحظ بالعدالة والإنصاف بسبب جنسها! المسرحية هي أعمق بكثير من حقوق المرأة، فهي تعكس حاجة كل إنسان بلا أي تمييز الى أن يشعر بذاته وكيانه من دون قيود وفروض تجعله أسيراً وتابعاً مسيراً بلا وعي ولا إدراك تماماً كالدمى.
«بيت الدمية» هي المجتمع المكبل بقوانين الأعراف، التي أصبحت نهجاً لكل فرد به، فلا يقوى هذا الفرد على التمرد والانسلاخ من تلك المنظومة المتعارف عليها، خوفاً من التصادم مع المجتمع، ومن هنا تنتج لدينا ثلاثة نماذج من الناس، وهم الراضخ والمستسلم لما هو سائد، والمزدوج الذي يحاول أن يرضي رغباته وحاجاته بالخفاء خوفاً من المجتمع، والمتمرد المنبوذ من المجتمع!
وهنا يأتي دور المفكرين الإصلاحيين، الذين يحاولون تجسيد هذا النزاع المجتمعي بمشاهد مسرحية تحاكي الواقع بطريقة تحليلية يتم من خلالها مناقشة كل الملابسات الفكرية بموضوعية وحيادية، لتسليط الضوء على الخلل وتحفيز أفراد المجتمع على إعادة النظر بما يتبنون من سلوكيات وأفكار تفتقد الصواب وتفتقر إلى الحقيقة، فالمسرح هو المرآة التي تعكس واقع ما يحدث ويدور في المجتمع، وهو يرصد التغيرات والتحولات التي تطرأ على المجتمعات، ويحلل ويناقش المشاكل ويفندها، ويضع الحلول التي يراها مناسبة للخروج من سطوة الأفكار المسيطرة والجامدة الى فضاء الأفكار المرنة والمتوافقة مع سيرورة التغيير والتطور.
هكذا كان المسرح المتحرر من القيود والقوانين، التي تقمع الفكر وتخنق الكلمة، وتولد الرداءة والانحدار الذي نشاهده اليوم في أغلب فنوننا ومسارحنا.
فما المسرح إلا كيان مصغر لمجتمعاتنا، وما نشهده من تردٍّ ليس إلا انعكاساً لتردي أوضاعنا وأحوالنا، فلو نظرنا الى الواقع الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية، التي أصبحت بسبب جمود أفكارها كالدمية المسيرة بخيوط حريرية، متى ما تخلصت من تلك الخيوط سقطت وهوت، لأنها لا تعرف معنى الحرية، وتخشى وترهب التغيير.
كان للمسرح دور عظيم على مدى التاريخ في كسر التابوهات المتوارثة، وتجديد الفكر وإحداث التغيير، ونحن بحاجة إلى طرح صريح يحاكي واقعنا بلا قيود كي نستطيع أن نصلح من أوضاعنا، التي باتت في مهب الريح بسبب تلك القوانين المقيّدة للحريات التي تقمع الكلمة وتكمّم الأفواه.
لسنا بحاجة إلى أناشيد زائفة ترفع المعنويات الهابطة، بل نحن بحاجة إلى كلمة جريئة يجسدها مسرح محترم غايته الإصلاح والتغيير.. لا الربح والتكسب.