أنصتي يا رشيدة

إيمان جوهر حيات

6/18/2018

نزاعات شرقنا الأوسط في غالبها، قبلية دينية فئوية، اعتلى على ظهرها السفهاء والمغرضون، ومن لا شيء أصبحوا مقتدرين أغنياء استغلوا جهل البسطاء، وغرسوا الشقاق بين الأشقاء والأصدقاء، عقولهم جوفاء، وإنسانيتهم عمياء، ليسوا إلا عبيداً يلهثون خلف المال وصخب الشهرة والأضواء، منابرهم مدعومة من حفنة أشقياء، غايتهم السيطرة والنفوذ، حتى وإن غرقت أراضيهم بالدماء، هم ممثلون بارعون يعرفون كيف يؤثرون على مشاعر الناس، وكيف يستقطبون قلوبهم، فتجدهم يذرفون الدموع هنا وهناك، ويحملون طفلاً منكوباً وتائهاً وسط الصحراء، ويحملون صناديق الطعام والمعونات ليأخذوا بعض اللقطات لنشرها عبر أثير قنواتهم، ومن خلال أغلبية وسائل الإعلام، التي تتحدث للعلن عن إنسانيتهم وعظمة أخلاقهم، وسماحة نهجهم، مع الكثير من البهارات واللقطات المفبركة، التي تقوي من حججهم أمام الناس، علماً بأن أغلبية هؤلاء من يدعون البطولة والصلاح هم من يجلسون في الغرف المظلمة، ويحيكون الدسائس والمؤامرات والفتن، التي ذهب ويذهب ضحاياها الأبرياء وتهدم الأوطان، وتزيد حساباتهم بالمليارات، هؤلاء هم وعاظ السلاطين عبر التاريخ، هذا نهجهم لم يختلف ولن يزول إلا باستفاقة العقول وخروجها من تلك العتمة المفتعلة إلى طريق النور والحقيقة. نحن لا نحتاج إلى المزيد من الحروب والدمار، ولا نحتاج الى أن يخَون بَعضُنَا بعضاً، بل نحن في أشد الحاجة لنفهم مضمون ومعنى التعايش. ماذا جنينا من الحروب إلا شعوباً مثقلة بالأمراض النفسية والعقلية، تواقة للعنف والانتقام، شعوباً خسرت كل ما لديها ولا ترى في الحياة سوى حلبة صراع. الشعوب غاضبة محتقنة، كل ما تريده أن تعيش بكرامة وعدالة ومساواة وهامش من الحريات، تريد أن تُؤمن لأبنائها حياة كريمة بعيدة عن صراعات السلطة والنفوذ والمال، التي فتكت بكل مقومات الحياة، نحن بحاجة إلى التسامح والتعقل لنستطيع النهوض من جديد من وحل الفتن والدماء، والتخلص من الموروثات السقيمة، التي تكره الاختلاف وتحفز على الحقد والكراهية والانتقام.

المغالاة والانتقام والكراهية خلقت لنا أجيالاً عنيفة ومتسلقة وفوضوية وثائرة وممتلئة بالأمراض النفسية والعقلية المعقدة، لا تفهم لغة الحوار ولا تعرف النظام، ومستعدة لاختراق كل القوانين واللوائح بالواسطات والرشى والتزوير والتسلق لكي تصل إلى مبتغاها، لأنها تؤمن بمبدأ «خذ حقك بذراعك»، ولأنها تؤمن أيضاً بأن القانون مصمم فقط للضعفاء وليس للأقوياء!

يقول آدم سميث: «يبدو إنساناً بغيضاً للغاية من يشعر قلبه القاسي العنيد بنفسه فقط، ولا يكترث على الإطلاق بسعادة الآخرين أو بؤسهم! لذا، تكمن مثالية الطبيعة الإنسانية في كبح أنانيتنا، وإطلاق العنان لمشاعرنا الطيبة».

الأنانية هي التي سلبت أغلبية أطفالنا، لا سيما في فلسطين وليبيا والعراق وسوريا واليمن، طفولتهم، هي التي باعدت بين شعوبنا، وها نحن نرى ما حدث بين دول مجلس التعاون الخليجي من شقاق، هي التي جعلتنا لا نحتمل بعضنا، هي التي زرعت الخذلان في نفوسنا، آن الأوان لأن ننفض الغبار من على عقولنا، وأن ننظر بتعقل وقلوب منفتحة الى أحوالنا، وأن نتصدى لأهل المطامع الذين يَرَوْن أنفسهم محور الكون، وأن نتسامح ونتعايش مع اختلافاتنا.

تعلمي من إخفاقاتك وهفواتك يا رشيدة، واحتضني أبناءك ولا تتركيهم لطوفان المغرضين، الذين لا يَرَوْن سوى مصالحهم الخاصة، ولا يحترمون إلا من ينعش أرصدتهم في البنوك، أنت من علمتيهم ذلك النهج، وأنت من بيدك أن تنقذيهم من هذا الكرب.

كل ما نريده هو حوار وطني يستقطب الجميع ولا يقصي أحداً.

ولن يخذلك أبناؤك، فهم عمادك، ولكن هل لهم تنصتين؟