أنتِ شريكة!

إيمان جوهر حيات

3/19/2018

قبل سنوات عديدة، كنت أعمل في أحد المصارف، تقدمت الى مكتبي فتاة بالعشرينات من عمرها، مصطحبة رجلا طاعنا في السن، وعلمت أنه والدها، سألني عن إمكانية صرف قرض له، وأعطاني البطاقة المدنية لابنته، فاستغربت وسألت ابنته: هل أنت راغبة في الاقتراض؟ فهزت رأسها بريبة، وقالت بصوت خجول: نعم. فطلبت منها أن تأتي معي إلى مكتب آخر بمفردها للتحقق من هويتها، حيث كانت منتقبة، وكان هذا الإجراء ضرورياً، ولكن ما كان في نيتي هو أن أسمع منها وأتأكد إذا كانت بالفعل موافقة وراضية، أم مجبرة، حتى رأيت دموع تلك الفتاة تذرف، وقالت لي ماذا أفعل، فأنا مجبرة أن أدفع ثمن أخطاء غيري، وروت لي المشكلة، وسألتها مرة أخرى: هل أنت رافضة إتمام عملية الاقتراض؟ فأجابتني بأنها تتمنى ذلك، وبالفعل عرقلت الموضوع بحجة مستندات ناقصة، ومن ثم أبلغت الادارة بذلك، وتعامل الجميع مع المسألة بإنسانية لمساعدة تلك الفتاة المغلوبة على أمرها، علما بأن هذه الحالة ليست الاولى ولن تكون الاخيرة، فهناك الكثير من القصص، ولا يسعني سردها كلها. تظل المرأة في شرقنا الأوسط تعاني الكثير من الضغوط، خصوصاً النفسية والاجتماعية، فهناك من بالفعل بُرمجت عقولهن حتى أصبحن أعداء لأنفسهن، مبتهجات بتقاليدهن التي جردتهن من حقوقهن الإنسانية الأساسية، كحق التفكير والتعبير والنقد وتقرير المصير، فأصبحت راضية وسعيدة بأن تكون مجرد ربة بيت، لا سلطة لها حتى على ابنها الذي هو ولي أمرها من بعد زوجها والآمر الناهي، وأخرى رافضة هذا الكم من التسلط الذي يمارس عليها، ولكنها خائفة من قنوط أهلها وسخط مجتمعها إن رفضت ما هو موروث وسائد! وكم من أم سلبت منها حضانة أولادها، لأنها رفضت الخضوع والاستسلام لما يرفضه عقلها، فنبذت من أهلها ومجتمعها! وكم من فتاة حرمت من تحقيق أحلامها باختيار التخصص الأكاديمي والعمل اللذين تتمناهما، بسبب خوف أهلها وتوجسهم من مشاركة الرجل في الدراسة والعمل، أو كما يطلق عليه البعض «الاختلاط»!

ولا يمكن ان نغض الطرف عن النظرة الدونية التي تحظى بها المرأة المطلقة في أغلبية مجتمعاتنا العربية!

انا اتحدث عن شرائح تعيش بيننا، ومن واجبي أن أسلط الضوء عليها.

إن ما قامت به السيدة نورة الشمري ليس إلا ثورة على تلك العادات والتقاليد والأعراف البالية التي توصم المرأة بما ليس بها، هي ثورة قلبت موازين الأفكار للبعض، وكشفت الحجاب عما هو مستور تحت شعار الديموقراطية والمدنية والإنسانية، البعض تهجَّم على جرأتها في طرح قضيتها، والبعض الآخر قلل من شأنها، وأنا أراها انسانة قوية رفضت الخضوع لتلك القيود المجحفة، وعبرت عن استيائها وغضبها بكلمات مدوية فجّرت بها جميع وسائل الإعلام، وأجبرت الجميع على أن يلتفتوا إلى قضيتها.

نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بصراحة على المبدأ الأساسي في المساواة بين الجنسين.. كما نصت اتفاقية CEDAW على ضرورة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

ولا نغفل المادة 29 من دستور دولة الكويت 1962 التي نصت على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية..

وهنا، أتساءل: هل تحكمنا الأعراف أم القوانين؟

كل المواثيق والمعاهدات والقوانين لن تفيد المرأة بشيء إن لم تسع بنفسها إلى تطوير وعيها، والتحرر من القيود الفكرية التي جعلت منها تابعة غير مستقلة بذاتها.

واعلمي أيتها المرأة بأنك تشكلين أكثر من نصف المجتمع، أي أنك قادرة بوعيك وادراكك لكل حقوقك على أن تكوني شريكة فاعلة ومؤثرة في المجتمع، وهذا ما يخشاه المؤزمون والرافضون إعطاءك حقوقك.