دوامة التاريخ
إيمان جوهر حيات
4/9/2018
هل نقل لنا التاريخ كما حدث، أم هناك أجزاء مبتورة لا يجب أو غير مستحب الاطلاع عليها؟ لا يمكن أن نبدأ بالإصلاح من دون فهم واستيعاب الماضي، لمعرفة الأسباب الحقيقية التي أوصلتنا الى هذا التراجع والتخلف الذي نراه اليوم. إن أغلب المستفيدين من تعتيم الحقائق، وأحياناً تشويهها، هم نخبة لا يعترفون بما اقترفته أياديهم من أخطاء ومصائب، ويسعون الى المكابرة رغم البراهين والدلائل، وكأنهم منزهون ومعصومون عن اقتراف الخطايا، ولولا الخطأ لما عرفنا الصواب، وهذا ما لا يدركه هؤلاء، لأنه من السهل جداً عليهم التملص من فعلتهم دون مواجهتها. بدءاً من التثمين والتوزيع غير العادل لبعض القسائم السكنية في المناطق الداخلية، وأزمة سوق المناخ والصندوق السيادي والغزو واختلاس الناقلات والداو، والإيداعات المليونية التي أعيد تداولها في المجلس حالياً، ولا أعتقد أن مصيرها سيكون أفضل من سابقيها.
ماذا تعلمنا من تلك الدروس؟ للأسف لا شيء.
إن معظم الحكومات التي تمتلك كل المقدرات هي من تعسر وهي من تفرج، ومعظم من حولها ليسوا إلا أدوات تحركهم هي كيفما تشاء.
أغلب الحكومات تريد «كرتاً» رابحاً في يدها، ولا يهمها -حقيقة- اتجاه من تعول عليهم أو معتقدهم، بقدر ما يهمها انصياع ورضوخ تلك الفئة المختارة تحت إرادتها، لتستطيع من خلالها بسط هيمنتها والحفاظ على استمرار بقائها، لكن متى ما أخفقت تلك الفئة بما أنيط بها استبدلت بمن هم أجدر للقيام بالمهمة نفسها ولتحقيق الغاية المنشودة نفسها.
هؤلاء هم من يزخر التاريخ ببطولاتهم ونكباتهم وحقائقهم، وأغلبيتهم من المتعطشين إلى السلطة والنفوذ، ولأجل الوصول إلى مبتغاهم، ولبسط هيمنتهم، تحالفوا مع أرباب المال والجاه لتقوية نفوذهم، وتحالفوا مع التيارات الدينية لبسط السيطرة على مشاعر وعقول البسطاء من الناس، الذين لا يفقهون حقوقهم ولا يستوعبون أهمية وضرورة التغيير الذي به تتقدم وتزدهر المجتمعات.
هكذا يقول التاريخ
فلو نظرنا الى مضمون كتاب الإلياذة للشاعر اليوناني القديم هوميروس، حيث يعتبر من كلاسيكيات الأدب العالمي، فهو ملحمة شعرية تصور الحرب الضروس، التي وقعت في بلاد الإغريق في الفترة من 1280 إلى 1183 ق.م، أبدع الكاتب في تجسيد صراع الآلهة، التي تسيطر على عقول الرعايا الفانين، وكيف تستغل نفوذها في إشعال الحروب أو تحقيق السلام، وكيف تتعارك المشاعر والأحاسيس بين الحكمة والتعقل والجاه والسلطان والجمال والحب والحقد والغيرة والانتقام والغرور، تلك المشاعر الإنسانية، التي كانت وما زالت تحرك البشر في دوامات من العلاقات المتذبذبة والصراعات غير المنتهية.
و«مأساة أوديب» التي كتبها شاعر الإغريق سوفوكليس، والتي تحدثت عن خباثة الكاهن، الذي يستغل الدين والقداسة ليحيك المؤامرات والمكائد المختلفة، لأجل السيطرة على مصائر البشر الذين ليسوا بنظر هؤلاء المتحكمين والمتسلطين إلا حفنة من الرعايا الجهلاء الجبناء الذين سلموا عقولهم لمن يستعبدهم ويتكسب من ضعفهم وخنوعهم.
تحاكي تلك الأساطير واقعنا الذي عشناه ونعيشه اليوم، هي المعاناة ذاتها، ربما بصور وطرق مختلفة، لكن تتبع النهج نفسه الذي يختلق الأزمات ويفتعل الخلافات ويقيد الحريات ويشوه مفهومها ويبجل الاستسلام.
أصلح إنساناً تصلح أوطاناً.