فتنة ساحة الإرادة
إيمان جوهر حيات
5/31/2021
هل ديموقراطيتنا هي السبب في تراجعنا؟
إجابة هذا التساؤل تستلزم النظر إلى الأسباب التي أدت إلى تأسيس الديموقراطية في الكويت، والتي لاقت معارضة شرسة من الداخل وكذلك الخارج، ولكن بسبب التهديدات الإقليمية، التي تعرضت لها الكويت في ذلك الوقت، اضطرت إلى التعلق بقشة الديموقراطية ليس إيماناً تاماً بما تحمله هذه الكلمة من مبادئ إنسانية ومدنية متحضرة، ولكن لحماية الدولة وحدود البلد وكيانها من المطامع والأخطار الإقليمية التي إلى اليوم لم نسلم منها، وانعكست آثارها المريضة على الداخل المفتت، الذي ساعد في نموه وتفاقمه سوء الإدارة التي رسخت السياسة الريعية القائمة على الاستهلاك لا الإنتاج، وأصبحت أغلب المناصب القيادية المسؤولة توزع لعقد الصفقات والترضيات وكسب الولاءات على حساب الكفاءات، وهكذا كبرت الحزازيات وزادت الضغائن بين أفراد المجتمع على أفكار ومعتقدات وعادات وتقاليد وأعراف وأصول، وتحوّل هذا المجتمع إلى حلبة صراع، منها الظاهر ومنها الباطن، ولا أعلم ما تخفي السرائر، ولكني أرى التراشقات المتعصبة التي في كل أزمة تطفو على السطح نتيجة تراكمات تركتها الإدارة عائمة، ولم تُفعّل ادواتها الكثيرة في الحد منها واستبدالها بأخرى مدنية متحضرة تستوعب الاختلاف وتُسخره لخدمة المصلحة العامة.
الخروج من تلك الضائقة الخانقة لا يحتاج إلى فتاوى دينية أغلبها مُسيسة، ولا خطابات مدفوعة الأجر مدجنة، ولا أناشيد وطنية محفزة، ولا مآثر إنسانية مفبركة، بل يحتاج إلى قرار يحفظ لهذا الوطن إرثه ويعزز مكانته بين دول العالم، ليس فقط بما تبذخه الدولة من مساعدات مادية لكسب الأصدقاء والحلفاء، بل في الدخول إلى حلبة التنافس الدولي، والعمل على تمهيد الأرضية المناسبة وإجراء الإصلاحات اللازمة، التي تبدأ برغبة السلطة وإيمانها بالديموقراطية، والمضي نحو تنقيح الدستور وسد ما به من ثغرات، ورفع سقف الحريات، وغربلة جميع القوانين المعيقة للتنمية والمعرقلة للإصلاحات، والالتزام بمبادئ الديموقراطية التي تعتبر الميزان العادل لتحقيق التوازن بين اختلافات أفراد المجتمع وتبايناتهم، وحماية حقوقهم المدنية والسياسية والإنسانية والاقتصادية.
ما يحدث في ساحتنا المحلية اليوم والدعوة للخروج إلى ساحة الإرادة ليست فتنة، هي حاجة للتعبير عن الضيق الذي تمكّن من التوغل في نفوس أغلب أفراد المجتمع بسبب سوء الإدارة الحكومية، هي حصاد لسنوات من التراخي والتخبط والتراجع، دُمّر بسببها التعليم وتراجع المسرح وتقهقرت الثقافة والفنون، وانتكست الرياضة واتسعت الفجوة بين شرائح المجتمع المختلفة، وانعدمت رؤية المستقبل، وأصبحت السياسة المنتهجة قاطرة تقود البلد إلى الوراء، وأصبح مفروضاً عليك أن تبجّل لوناً واحداً وخطاباً واحداً إذا أردت أن تسلم، وحريتك تكمن في التلاعب في الكلمات كي لا تقع في شباك القوانين المقيدة والإقصاء المجتمعي، وكبرت دائرة هذا الإقصاء لتشمل كل من لا يدور في فلك الرأي الواحد الجامد، والذي بسببه نعاني اليوم كومة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وتحوّل نموذجنا الديموقراطي الفريد والمميز بين دول الخليج العربي إلى نموذج بائس متهالك ومحل سخرية في كثير من الأحيان من أغلبهم.
التظاهر والاحتجاج وسيلة سلمية للتعبير عن الرأي، والمطلوب حماية هذا الحق والإنصات الجيد إلى نبض الشارع وإحداث التغييرات والتوازنات التي تعيد الثقة في نفوس أفراد المجتمع.