هاديس.. والثواب

إيمان جوهر حيات

12/23/2019

«تحت أشجار القرى الصغيرة، وعلى عتبات المسارح الحديثة في المدن الكبيرة، في صالات المدارس، والحقول، والمعابد، في الأحياء الفقيرة، في الساحات العامة، وفي المراكز والأندية، وفي الأقبية.. يتماهى الناسُ في العوالمِ اللحظية للمسرح. تلك العوالم التي نخلقها لنعبّرَ، بلحمنا ودمنا وأنفاسنا وأصواتنا الحية، عن عمقنا الإنساني، عن تنوعنا، وعن حساسيتنا» (الكاتب المسرحي بريت بيلي)

سعى المسرح منذ بدايات نشأته إلى إحداث تغييرات في البنية التقليدية الجامدة من خلال تثقيف المجتمع وتسليط الضوء على بعض المشاكل المسكوت عنها ووضع بعض الحلول المقترحة، ولم يقتصر على طرح المشاكل الاجتماعية بل شمل ايضا المشاكل السياسية والاقتصادية لغاية خلق درجة من الوعي لدى أفراد المجتمع والتخلص من المعوقات التي تعرقل عملية التحول الاجتماعي السلس والمتوافق مع التغييرات المصاحبة للانفتاح والعولمة.

ما حدث في يوم 19 من ديسمبر في فعاليات مهرجان الكويت المسرحي بدورته الـ 20، بإعلان لجنة التحكيم عن حجب الجائزة الكبرى لأفضل عرض متكامل، واللغط الذي أثير حول مسرحية «هاديس» كونها تخدش العادات والتقاليد وتحمل «مضامين ومشاهد منافية لأنظمة العمل الأدبي والثقافي في الكويت»، وبيان وزارة الإعلام الصادر قبل خمسة أيام الذي أكد فيه وزير الإعلام كالمعتاد «رفضه التام لأي تجاوز كان لثوابت وقيم المجتمع الكويتي الأصيلة».

والسؤال هو: هل المجتمع الكويتي طوبائي خال من المشاكل والأمراض المجتمعية؟

شاهدت مسرحية «هاديس» وهي مسرحية فلسفية تحدثت عن أمراض ومشاكل مجتمعية تتواجد في كل المجتمعات فلماذا كل هذا الذعر والتصعيد الفارغ؟

لسنا مجتمعا مثاليا ولدينا مشاكل أشد من مشاهد مسرحية «هاديس»، والمفترض تشجيع الشباب المبدعين على تبنى قضايا المجتمع وتوصيلها للجمهور بطريقة مبتكرة تستقطب انتباههم وتثير عقلهم للتفكير بشكل نقدي لما قد يكون «مغلوطا» ولكنه بحكم التعود أصبح مألوفا أو دارجا.

حجة العادات والتقاليد والأعراف والثوابت التي نسمعها تصدح بين الحين والآخر حجة فاشلة وقديمة، ومن المعيب جدا أن تستخدم هذه اللغة المُسيسة والتي غرضها كتم الأنفاس وقمع الرأي أن تتصدر المشهد من جديد في عز حفلات الفساد المستشري في البلد، ونسبة العنف والإدمان في المدارس وخارجها بازدياد، وقد نشرت القبس في 10 يونيو 2019 مقالا عنوانه: «%75 من وفيات الإدمان.. مواطنون».

وكذلك نشرت القبس في 22 مايو 2019 تحت عنوان: «العنف يزداد في المجتمع الكويتي» حسب دراسة أعدها أساتذة علم الاجتماع بجامعة الكويت، اضافة الى احد اعضاء الهيئة العلمية بمعهد التخطيط القومي المصري.

وفي المقابل، لا نسمع أصواتكم تتصاعد إلا على مشهد مسرحي أو كتاب فلسفي أو قصة تطرح مشكلة مجتمعية حقيقية أو رأيا مختلفا!

لسنوات عديدة والفن بانحدار والمسرح فقد دوره وأصبح استثماريا بحتا بلا رسالة ولا هدف، وتم عزله بشكل متعمد عن الحياة الاجتماعية خوفاً من تنوير ورفع مستوى وعي المجتمع الذي به تهديد لسلطة بعض المتنفذين.

المجتمع الكويتي مجتمع هجرات وثقافتنا مختلفة، وما يجمعنا هو الكويت والدستور، فارحمونا من خدعة الثوابت اللي لم نستفد منها إلا بالمزيد من التشتت و التراجع والانحدار.