هراوات الديمقراطية
إيمان جوهر حيات
5/21/2018
يرى رينهولد نايبهور (عالم اللاهوت ومحلل السياسة الخارجية الأميركية) أن المنطق هو مهارة ضيقة النطاق يتمتع بها عدد قليل من الناس، ذلك أن أغلبية الناس منساقون وراء عواطفهم. الهراوات في المجتمع الديموقراطي هي تلك الشعارات والسياسات التي تتخذها النخب المهيمنة للسيطرة على عقول العامة في المجتمع من خلال وسائل الإعلام، التي أصبحت ذات أهمية بالغة في عصر العولمة والانفتاح، والسيطرة على المؤسسات التعليمية والأكاديمية للتحكم في مخرجات التعليم وإنتاج اجيال في الغالب راضخة مغيبة غير قادرة على التفكير منغلقة على ذاتها. فتلك النخب المهيمنة لا تؤمن بحكم الشعب، ولا مشاركته، والسبيل الوحيد للحد من تمرد القطيع هو إقناعه بتبني الثقافة الاستهلاكية وإشغاله بالأمور الهامشية لتشتيت انتباهه عن القضايا المهمة المصيرية التي يُخشى من إثارتها لما في ذلك من تأثير سلبي ومباشر على مصالح النخب المهيمنة ونفوذها. «لابد أن يصنعوا أوهاما ضرورية وتبسيطات عاطفية لإبقاء الأغبياء السذج على ما هم فيه».. هكذا تكلم أستاذ اللسانيات والفيلسوف الأميركي تُشُومِسْكِي.
وبمجرد النظر إلى الأوضاع المتردية والسائدة من حولنا سنرى كيف استغلت النخب المهيمنة الخطاب الديني على مدى عقود لتغييب عقول العامة واستئثار عواطفهم وإبعادهم عن الواقع الذي يعيشون فيه باستغلال روحانيات تدعوهم إلى الرضوخ والاستسلام والطاعة العمياء للأولياء والأوصياء الذين بيدهم الخلاص ومن خلالهم تحل الخيرات والبركات!
اين هي تلك الخيرات والبركات التي يدعون وأمتنا مشلولة منكوبة بالحروب والصراعات غير المنتهية بسبب تضارب مصالح النخب المهيمنة التي اصبحت تتلذذ بدماء الأبرياء لغاية في استمرار بقائها وهيمنتها غير القابلة للنزاع؟
كما اُستغلت وسائل الإعلام في تضليل وتغييب العامة من خلال بث الخوف والذعر وخلق أجواء يسودها عدم الاستقرار والتخوين والقلق من عدو متربص وآخر متأهب ليظل الناس تحت السيطرة التامة من قبل النخب المهيمنة حتى وان جارت عليهم أو انتقصت من حقوقهم التي كفلتها لهم الإنسانية والمواثيق الدولية.
ولا نغفل طبعا تجنيد النخب المهيمنة لمجموعة من المرتزقة في وسائل التواصل الاجتماعي لمهاجمة وضرب كل فكر مختلف أو معارض لهم بطرق وأساليب غير أخلاقية، وكيف يتم تزييف الحقائق أو تعتيمها عن العامة من خلال استغلال النخب المثقفة والمؤثرة في المجتمع وطرحها الأفكار والمفاهيم المتوافقة مع نهج النخب المسيطرة التي تملك اغلبية وسائل الاعلام في المجتمع وتخشى من نضوج أي فكر يعارض او يناهض نهجها.
كيف ننعم بالديموقراطية في وسط هذا التغييب الإعلامي والأكاديمي المقصود الذي يهدف إلى خلق قطيع مبرمج على الطاعة يحارب الاختلاف بقناعة ومن دون أدنى تفكير.
لا نستطيع أن ننكر أهمية وسائل الإعلام التي هي مصدر مهم للأخبار والمعلومات وكذلك دورها المهم في تثقيف المجتمعات، ولكن استخدامها لخدمة فئة معينة او توجيه الجماهير وبسط الهيمنة السياسية والأيديولوجية والاقتصادية والاجتماعية والتلاعب بعقولهم بطريقة سلبية.. هو ما يستوقفنا.
لم تعد وسائل الإعلام حرة ومستقلة كما هو مشاع، حيث تخضع أغلبية وسائل الإعلام لأجندات وأيديولوجيات ملاكها أو لقيود القانون التي تحد من فعاليتها ومصداقيتها، وأصبح المتلقي ضحية لذلك العبث والتزييف في المفاهيم والمضامين وحتى في الصور المنقولة له عبر الأثير!
وكم من الوثائق والسجلات السرية التي تم الإفراج عنها أخيراً تثبت كيف استغلت النخب المهيمنة وسائل الإعلام لتضليل الرأي العام وتوجيهه بطريقة تخدم أجنداتهم الخاصة البعيدة عن المصلحة العامة لمجتمعاتهم.
دور وسائل الإعلام، خصوصاً في المجتمعات الديموقراطية، هو إثراء العقول وخلق درجة من الوعي للأفراد لتفعيل دورهم في المجتمع وليس التغييب والتجهيل والسيطرة والتحكم.