كفانا مناكفات مكررة!‎

إيمان جوهر حيات

2/22/2021

لم تعد الشعوب محبوسة في عشيش أو خيام أو بيوت من طين، لا تسمع إلا القليل مما يدور حولها، أصبحت لمسة زر واحدة تحوّل العالم بأسره لبلورة صغيرة تتدفق منها المعلومات عبر الأثير، وأصبحت الأنظمة الرافضة للانفتاح والتغيير في مأزق تترنح بين الجمود والحداثة خوفاً من خسارة السلطة من دون إدراك اختلاف معطيات الحاضر والتنبؤ بمتطلبات المستقبل. أصبحت السلطة اليوم بيد من يملك العلم ومن يحترم حقوق الإنسان، ومن يُبهر العالم بكم الإبداعاaت والابتكارات والاختراعات المهيبة التي تستقطب كل الأضواء وتفرض الاحترام. نصت أغلبية دساتير العالم المتحضّر وشبه المتحضّر على أن الشعوب مصدر السلطات، وبدأت تلك الشعوب تطالب بحقوقها كما يحدث في أغلبية الدول المتقدمة التي تحترم دساتيرها، ولا تتحايل على شعوبها بزرع الثغرات في تشريعاتها وقوانينها لقمع الرأي المختلف أو تعتيم الحقائق التي من حق الشعوب الاطلاع عليها كونهم شركاء في الوطن، وهذا ما لا تستوعبه الأنظمة المنغلقة على ذاتها التي تنظر إلى الشعوب كرعايا عليهم الطاعة من دون نقد أو نقاش، أو تراهم مغيبين جاهلين لا يفقهون أمور الإدارة ويتوجب عليهم الرضوخ والامتثال، ولو فرضنا أن هذا الادعاء صحيح، لكان علينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً واحداً لا غير: أين دور تلك الأنظمة المركزية في رفع وعي شعوبها؟

بسبب تقييد الحريات وبخس الحقوق توجهت أغلبية الشعوب إلى التنفيس عن غضبها بإسقاط سخطها بعضها على بعض، وقد استغلت أغلبية الأنظمة الريعية ذلك جيداً لضمان استمرار سيطرتها، ومن هنا بدأت العنصرية بالتضخم وتفاقم العنف، وازدهر النفاق الذي ينتهجه البعض خوفاً من البطش، أو وسيلة للاستحواذ على منفعة ليست من حقهم، وأصبحت الواسطة منهاجاً لشراء الولاءات والذمم، وباتت الكفاءات حبيسة لا تقوى على المشاركة ولا حتى نقد أوجه الخلل الذي يعتري أغلبية مؤسسات تلك الأنظمة، والتي رصدتها المؤشرات الدولية وأوضحت مدى تخلف أغلبية دول الشرق الأوسط في العلم والبحث والإبداع والابتكار وحقوق الإنسان. وتلك هي تركيبة النجاح لمن يريد البقاء في المقدمة.

التحولات الكبيرة التي أحدثتها الثورة العلمية، والتي غيّرت الكثير من مفاهيمنا عن هذا الكون، ومكّنت الإنسان من اقتحام ظلمة الفضاء وعسكرته، والعمل الدؤوب لمحاولة فك شيفرة الجينوم البشري، الذي له شأن في مساعدة البشرية في التغلب على الأمراض وعلاج بعض الطفرات الوراثية التي تحملها الجينات... أين نقف نحن من كل هذه التطورات والتحولات السريعة التي يشهدها العالم بفضل العلم؟

فما زالت أغلبية أنظمة شرقنا الأوسط مشتتة في معاركها وصراعاتها الموروثة الرافضة لفكرة الديموقراطية التي تحترم إرادة الشعوب، ويكفينا على الصعيد المحلي ما نشهده من تكرار ممل لنفس المناكفات والتجاذبات بين البرلمان والحكومة، لا طائل من وراء ذلك إلا التأزيم المفتعل ومضيعة الوقت.

لا قضايا المجتمع حُلّت، ولا مصير مستقبل هذا البلد تحدد!

أما آن الأوان أن تؤمن الإدارة بضرورة التغيير والالتفات إلى أهم القضايا المجتمعية المنسية، التي تعثّرت على مدى عقود بسبب الجمود وعدم المسؤولية، كقضية البدون وتعديل التشريعات التي تخطت الدستور وقيدت الحريات وبخست الحقوق؟

أما آن الأوان أن تفتح الحكومة أبوابها الموصدة لأبنائها من دون تمييز أو تهميش والعبور معهم باتجاه المستقبل؟

الضجر تعدانا ووصل إلى نفوس أغلبية أبنائنا الصغار سواعد المستقبل، وهذا أمر لا يبشّر بالخير، فقوة المجتمعات تكمن في حسن إدارة مواردها البشرية أولاً.

خيام وبيوت من طين
خيام وبيوت من طين