خصوصية منتهكة

إيمان جوهر حيات

3/18/2019

لكل منا صندوق أسود، وفي هذا الصندوق كل الذكريات والخبايا والاسرار الخاصة جدا، التي شكلت خبراتنا في هذه الحياة، تلك الخصوصية المشفرة أصبحت بفضل التكنولوجيا المتقدمة عرضة للانتهاك، فلم يعد للخصوصية معنى وأصبحت المنظمات السياسية والرقابية (حكومية واهلية) تتهافت لجمع أكبر قدر من المعلومات عن كل شاردة وواردة لتخزينها في بنك المعلومات الذي تباع وتشترى به خصوصيات الناس وتستغل في الانتخابات وفي دراسة الأذواق والاتجاهات لتصنيع منتجات استهلاكية تتوافق مع كل الأذواق، وكذلك لتوجيه الرأي العام عبر الخطابات الدينية التي لها مكانة كبيرة في نفوس الناس، خاصة في شرقنا الأوسط، وعبر الإعلانات والمسلسلات والأفلام ونظم التعليم، لمصلحة المتنفذين من سياسيين وأصحاب المال ومن يدور في فلكهم وليس لمصلحة الوطن الذي يجمعهم بالضرورة. لم تعد تلك الخصوصية التي كنا نتمتع بالحد الادنى منها موجودة في هذا العصر المعقد بالتكنولوجيا الفائقة ووسائط التواصل الاجتماعي المتعددة وكاميرات المراقبة وبطاقات الائتمان... الخ. قرأنا وسمعنا الكثير من الفضائح التي توارت خلف الأكاذيب والزيف، وتورط شركات تقنية عالمية وذات صيت بصفقات مشبوهة مع أشهر الوسائط الاجتماعية لتمكينها من الاطلاع على كل بيانات المستخدمين وأصدقائهم من دون موافقتهم. ولم تكن فضيحة الشركة الاستشارية كامبريدج أناليتيكا التي حصلت على بيانات عدد هائل من الأشخاص عن طريق الفيسبوك لتوجيه الرأي العام ببعيدة عنا.

ومؤشر مستوى الاختراقات الذي أصدرته «جيمالتو»، الشركة المتخصصة في مجال الأمن الرقمي، الذي يعتبر قاعدة بيانات عالمية لرصد الهجمات الرقمية، والذي حصر اختراق 4.5 مليارات من سجلات البيانات حول العالم في النصف الأول من عام 2018!

وكذلك ما نراه في أغلبية الصحف الإلكترونية المحلية وغيرها، ووسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في وقت الانتخابات من نشر غسيل وضرب في الأعراض وبطولات وهمية وتلميع وفتح ملفات خفية.. لتوجيه الرأي العام والتحكم به، سنجد أن تلك الخصوصية التي هي حق طبيعي أصبحت في قائمة الانقراض.

لست من رواد نظرية المؤامرة لأني مؤمنة بأن ما يحدث هو نتاج طبيعي للتطور، وما يستوجب علينا هو إدراك وفهم ما يصاحب ذلك التطور من تغيير ومحاولة مواكبته بدلا من التذمر منه.

من يمكثون خلف الكواليس من فاسدين وخبثاء و(حواشيهم) قلة تعمل ليل نهار لأجل استقطاب الرأي العام والتحكم بالجمهور بكل الوسائل المتاحة، وهذا بحد ذاته يوضح أهمية الشعوب التي من دونها لا يكون لتلك القلة مركز ولا شأن.

لا نستطيع أن نتراجع وننغلق على أنفسنا، ولكننا نستطيع أن نحمي أنفسنا باعمار عقولنا ووعينا بما يدور من حولنا، ولن نحظى بذلك الا باحترام كل حقوق الأفراد وانتهاج استراتيجية واضحة المعالم في كل مجالات الحياة وخاصة التعليم والاقتصاد، والبعد عن التحالفات المشبوهة والفاسدة التي لم نر من ورائها إلا التراجع والشقاق.