للطفولة ذاكرة
إيمان جوهر حيات
8/27/2018
أطفال اليوم هم صناع قرارات المستقبل، أطفالنا ليسوا سطحيي التفكر، بل يتذكرون جيدا كل لحظة سعادة وشقاء تمر عليهم، ومن تلك الخبرات وتحليلها، حسب منظورهم المعاصر، تتشكل شخصياتهم التي ستؤهلهم لأن يكونوا أعضاء في المجتمع الحديث. لا يحتاج الطفل غير حضن دافئ وقلب محب ومأوى آمن، أن يلعب.. يعبث.. يقهقه.. يصرخ. يحتاج ان يقفز.. يبعثر.. يكسر.. يصلح.. بذلك هو يتعلم ويفهم ويستوعب. هو كائن جميل صريح وواضح، لا ينافق أو يكذب أو يغش او يتسلق، ولا يرى سبباً مقنعاً لهم، يعبّر عن احساسه كما هو من دون زيف او خوف، هذا هو الطفل الطبيعي، الذي لم يتعرض لأي مؤثرات نفسية تفقده جزءاً من طفولته الجميلة والبريئة، وتدخله في دوامة الأمراض النفسية التي يعاني منها أغلبية الأجيال السابقة.
ولكن للأسف يحاول بعض أولياء الأمور توريث اطفالهم ايديولوجياتهم وأفكارهم وخبراتهم، التي هم أنفسهم ورثوها كحزمة غير قابله للنقاش، من دون النظر الى مدى ملاءمة تلك الأفكار لزمان أطفالهم المختلف تماما عن عصرهم، يرغبون في تكرار نموذج طبق الأصل منهم ومن افكارهم، حيث يشعرهم ذلك بالفخر والاعتزاز ولربما الخلود، وأغفلوا أن لذلك الطفل الحديث خيالاً أوسع من خيالهم وكياناً مستقلاً يحتاج الى مساحة كافية لينضج ويترعرع بها، بعيدا عن التوجيهات العسكرية الصارمة التي تقيد ملكة الطفل الفكرية، وتخلق منه إنساناً ضعيفاً اعتمادياً تقليدياً يخاف التميز.
دور أولياء الأمور، لا سيما في المراحل المبكرة من الطفولة، هو إشباع رغبات الطفل العاطفية وحاجاته الاساسية، ومن ثم يأتي تشكيل شخصية الطفل تربوياً واجتماعياً ونفسياً، وهذا التشكيل لا يكون بفرض الآراء والتسلط الذي تمارسه وللاسف شريحة كبيرة من الأسر في المجتمعات الشرقية على ابنائها، بل فقط باحتوائه وإتاحة المجال للطفل لأن يستوعب ذاته، وان يتعلم من أخطائه وردود أفعاله، وتحفيز السلوكيات الصحيحة والإشادة بها، وفتح باب النقاش الحر له بلا محاذير، وعدم مقارنته بأقرانه، حيث لكل طفل شخصيته المستقلة.
أساليب معاملة الوالدين لها تأثيرها المهم في تكوين الأبناء لمنظومة أفكارهم وفهمهم لذواتهم وتكيفهم مع أنفسهم ومع المجتمع. فأغلبية الاضطرابات السلوكية التي نشاهدها على سلوكيات ابنائنا في المدارس ناتجة عن تعرضهم في طفولتهم لبيئة غير صحية، يسودها عدم المبالاة والقسوة والإحباط والنقد والمقارنة المجحفة والمستمرة من قبل ذويهم عليهم، واحيانا الدلع المفرط، وهذا يخلق لدى الطفل شعوراً بعدم الامان والاستقرار، ويفقده الثقة بقدراته وإمكاناته، وتصبح شخصيته سلبية اتجاه نفسه واتجاه الآخرين.
تنشئة أطفال ذوي عقول حرة معتمدين على أنفسهم تحتاج الى مجهود كبير ومتابعة مكثفة، تبدأ بدعمه ومساعدته على اتخاذ القرارات، وتحفيزهم على المشاركة وإبداء الرأي ليشعروا بأهميتهم، وصقل مهاراتهم في التحدث، وطرح الأفكار والآراء، ومدحهم والثناء عليهم لتنمية ثقتهم في أنفسهم وهذا هو المهم.
وللاسف البعض لا يدرك أهمية ذلك، فنجد الأطفال تارة بين أيادي عاملات المنزل، لا يَرَوْن والديهم الا ما ندر، او يقعون تحت رقابة مفرطة وتشكيك وعنف متواصل، سواء لفظياً او جسدياً، ظناً من ذويهم أنهم بذلك يحمونهم من الانحراف ويُقَوِمون سلوكياتهم! وفِي كلتا الحالتين النتاج هو طفل منقوص الطفولة، تتحكم به مشاعر الخوف والجبن والانعزال، وهذا النتاج ضار بأبنائهم وبالمجتمع.
مرحلة الطفولة هي مرحلة غرس البذور، التي على أساسها تتكون الشخصية، فما يتعلمه الطفل في هذه المرحلة المبكرة من حياته من عادات واتجاهات وقيم، لا سيما في السنوات الست الاولى من عمره، يبقى ثابتاً نسبياً، ويصعب تغييره (صعب وليس مستحيلاً).
أطفالنا اليوم تحت سيطرة الانفتاح، وهم بحاجة الى رعاية ومتابعة وتفهم من قبلنا، وعلينا دور وواجب مهم اتجاههم لخلق اجيال أصحاء نفسياً، مستقلين بذاتهم، قادرين على مواجهة تعقيدات وعراقيل الحياة، متعايشين مع الاختلاف، غير منزوين على أنفسهم.
ويكفي ما تواجهه الطفولة في مجتمعاتنا، خصوصاً المنكوبة بالدمار والحروب، من مآسٍ يقشعر لها البدن، بسبب سياسات ومصالح تفتقر الى بعد النظر.
ارحموا طفولة اليوم.. ارحموا المستقبل..