لماذا تشاورية
إيمان جوهر حيات
4/23/2018
إن أردنا أن نعرف سبب مشكلة ما، فلا بد من البحث عن جذورها. المشكلة الحقيقية التي يجب أن نعيها جميعاً هي اننا تمدنا عمرانياً لا فكرياً، وما زال مجتمعنا متمسكاً بتلك الأفكار والأعراف التي كانت وليدة حاجة معينة وبيئة قاسية زالت وتبدلت بديموقراطية ومدنية شكلية بلا ممارسة حقيقية. فعلى الرغم من صدور قانون من مجلس الأمة الكويتي رقم 9 لسنة 1998، يضيف بنداً جديداً ــ رقم 5 ــ إلى المادة 45 من القانون رقم 35 لسنة 1962، في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة الكويتي، ونص هذا البند الخامس المضاف على معاقبة «كل من نظم أو اشترك في تنظيم انتخابات فرعية أو دعي إليها، وهي التي تتم بصورة غير رسمية قبل الميعاد المحدد للانتخابات، لاختيار واحد أو أكثر من بين المنتمين لفئة أو طائفة معينة». نجد أن الفرعيات (التشاوريات) ما زالت تقام من دون وضع اعتبار للقانون وما يترتب عليه من عقوبات، وإن بحثنا في عمق هذا الانفلات فسنجد أن ذلك ليس إلا نتاج أفكار لها تاريخ قديم، أبت أن تتغير وتتطور لتناسب الوضع القائم، الذي يسمى الدولة، وهناك العديد من الأسباب التي أبقت تلك الأفكار ماكثة من دون تغيير، ومنها عدم إيمان الحكومة بالمنهج الديموقراطي، وتبنيها له شكلياً لأجل كسب مصالح دولية معينة، وعدم الإيمان بقدرة الأفراد على المشاركة والنظر لهم، كما لو كانوا رعايا لا كمواطنين.
ولو نظرنا بشكل عام إلى غالبية التجارب العربية في التعامل مع الديموقراطية بمفهومها الحضاري والإنساني المتقدم، لوجدنا أنها تجارب فاشلة مع سبق الإصرار والترصد، ويكفينا النظر إلى واقع أمتنا لنرى بوضوح حالة الاستنفار والتأهب التي تخيم على أجوائنا.
ما زالت مجتمعاتنا مرتبطة بخلفيتها القديمة، والقائمة على الطاعة والامتثال، التي ربما كانت فاعلة في ذلك الزمان لوقاية رعايا القبيلة من الأخطار المحيطة، وحمايتهم من النكبات، فالحروب بالنسبة للقبيلة آنذاك لم تكن نتاجاً عدوانياً، بل هي ضرورة لأجل البقاء وتحصيل الثروات، كما يرتكز جوهر سلطة القبيلة على العطاء، الذي يقود الى الخضوع الإرادي والمقبول اجتماعياً لدى الرعية. يجب علينا ألا نخرج سياق تلك الأفكار عن المنظومة الزمنية التي ساعدت في نشوئها.
ولا بد أن نعي ونستوعب أن لكل زمان ظروفه وفكره، وما كان مقبولا في الماضي ليس بالضرورة أن يكون مقبولا في الحاضر وكذلك المستقبل.
فلو نظرنا الى واقعنا هنا في الكويت، التي نتفاخر بدستورها وديموقراطيتها لوجدنا أنفسنا نعاني المشكلة نفسها، التي تكمن في عدم استيعاب مفاهيم الدولة والمواطنة والديموقراطية والمدنية، فما زال الفكر القبلي هو المسيطر والمهيمن عند البعض، حيث أصبحت الأعراف الموروثة بمنزلة لوائح مقدسة غير قابلة للنقد، وأقوى من سلطة القانون.
علما بأن الأعراف هي مجموعة من القوانين الوضعية المنظمة لشؤون القبيلة الداخلية والخارجية، تتشكل حسب الأوضاع السائدة، وليست مقدسة، وقابلة للتغيير.
لذلك عندما يسن قانون بمعاقبة من ينظم أو يشارك في انتخابات فرعية (تشاورية) ولا يطبق، فهذا يدعونا الى التفكير والسؤال: هل نحن في دولة القانون ام الأعراف؟ وهل الدولة تدعم القانون أم تخضع لتلك الأعراف؟
لكل كيان في المجتمع احترامه وتقديره، وما أسرده في هذا المقال هو لأجل تسليط الضوء على الخلل، الذي يجب علينا مواجهته والتصدي له كي نستطيع ان نبدأ مسيرة الإصلاح المنشود.