لن يبقوا صغاراً صامتين
نشر 16 أغسطس 2021
إيمان جوهر حيات
12/12/2023
من مزيج اللونين الأبيض والأسود رسم الفنان بابلو بيكاسو لوحته الشهيرة جيرنيكا التى جسد من خلالها فظائع ما حدث من دمار لقرية جيرنيكا في أبريل 1937 شمال اسبانيا لتصفية الخصوم السياسيين وتخويف وترهيب الأبرياء العزل الذين أنهكتهم الحرب الأهلية التي بدأت في يوليو 1936، وسقط معظمهم ضحايا تحت قصف قذائف الطائرات النازية المتحالفة مع القوميين اليمينيين بقيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو للإطاحة بالحكومة الجمهورية اليسارية في إسبانيا، لأجل تصفيات سياسية بغيضة نراها تتكرر كل يوم في محيطنا المتأزم بالصراعات والخلافات ومن يدفع ثمن تلك المشاحنات هم الأبرياء العزل والمغلوب على امرهم.
رغم تباين النقاد في تفسير الرسالة السياسية خلف تلك اللوحة إلا أنها أصبحت رمزا لمناهضة الحرب وتجسيدًا للسلام.
هكذا يكون للفن الحر رسالة وهذا ما نفتقده في اقليمنا المتأزم الذي يحكمه في الأغلب نهج التضييق على الحريات الذي كسر الأقلام وبعثر الألوان وكبل أغلب النخب المثقفة غير المدجنة عن أداء دورها في تنوير الشعوب والدفاع عن حقوقهم وحرياتهم، ومناصرة المنكوبين والضعفاء.
في وسط هذا الكرنڨال الصاخب الذي تعج به أغلب دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا، هناك قنبلة ملغومة أشد فتكاً من كل أسلحة الدمار الشامل وهي الإنسان المظلوم والمكبوت والجائع والمحروم، هم الأطفال الذين سُلبت براءتهم وانتهكت حقوقهم ولُوِثت أدمغتهم، أطفال يغرقون في البحار التي سلكوها هربا من الصراعات المشتعلة في بلدانهم، أطفال يتضورون من الجوع، تجتاح أجسادهم الهزيلة الأوبئة بسبب سياسات مصلحية تقودها المطامع وتفتقر لبعد النظر، أطفال يتمتهم المعارك وأصبحوا مشردين ومهجرين وضحايا للعنف والاتجار بالبشر، تلطخت براءتهم بِرِجس عالم متوحش لا يضع اعتبار إلا للمصالح التي لا تأبه بمصير هؤلاء الضعفاء.
يكفينا التمعن بملامح أغلب أطفال عالمنا النامي الذي تهيمن عليه أعراف وتقاليد جامدة ومتحجرة استثمرت بها الأنظمة المتسلطة للسيطرة على عقول الناس، أطفال لا يعرفون بعد كيفية تزيف وتمويه مشاعرهم كما يفعل أغلب البالغين، لترى أن لكل منهم عينان خائفتان ناقمتان من بؤس الحياة التي أحاطت بهم، وثغور صغيرة مقوسة للأسفل تعبر عن الحزن العميق الذي اخترق قلوبهم، أصواتهم مرتجفة وكلماتهم العفوية تستنجد وتلوم وتتذمر تريد فقط حبل النجاة ولا تجد إلا الخذلان، لا يوجد أصدق من تلك الملامح المكلومة التي وللأسف لم تلفت انتباه إلا قلة قليلة من المثقفين والفنانين والمهتمين الذين عبروا عن تلك المآسي بكلماتهم وألوانهم لتوجيه رسالة لكل من فقد بوصلته بما تخلفه الحروب والصراعات من كوارث وأهوال تحرق كل ما في طريقها، وما الإرهاب الذي تشهده منطقتنا المنكوبة بكل أشكال الفساد إلا أحد تبعات هذا النهج البائس الذي يسيطر على أغلب دول المنطقة.
على الأنظمة الراغبة في الاستمرار أن تتيقن لن يبقوا هؤلاء الأطفال صغاراً ولن يدوموا صامتين، ولن يدفعوا وحدهم ثمن هذا التخاذل والإجحاف الذي أهدر حقوقهم، بل ستتكبد الأنظمة المستبدة والمغيبة خلف لعبة المصالح الفاشلة المزيد من الخسائر والانحدار.
حماية حقوق الطفل هي حماية لمستقبل الأوطان.
المخرج بالإيمان بمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.