ما بعد التزوير؟
إيمان جوهر حيات
7/23/2018
إن الخوف من الانفتاح والتعايش، والتوجس من المختلف، وعدم تقبله كمكون أساسي من مكونات الثقافة والحضارة، هو ما جعلنا نعيش في حالة تخلف وانفصام عن الواقع، فأجسامنا تمكث بالحاضر، وعقولنا تائهة بين ثنايا الماضي المندثر، فأصبحت بذلك حصيلة الفرد من العقد النفسية لا تعد ولا تحصى، بسبب عدم استيعابه لمتغيرات الواقع المتطور، الذي يعيشه، مما أدخله في صراع عقلي ونفسي دائم بين ما هو موروث وما هو مستحدث. نحن بحاجة إلى ثورة فكرية متحضرة تقتلع الأفكار الجامدة وغير المتوافقة مع زماننا، لكي نستطيع أن نلحق بمسيرة الحضارة، التي غادرت مرافئنا منذ زمن ليس بقصير. تدهور التعليم بالكويت ليس بأمر جديد، فكل التقارير والمؤشرات تؤكد تدهور وضع التعليم وسوء مستوى مخرجاته، حيث تتغير وزارة وتأتي أخرى بحقيبة مختلفة عن سابقتها، وبين إحصاءات ودراسات واجتماعات تدور الأمور ويظل التعليم على ذات الحال من دون أي تغيير مثمر. كشف تقرير التنافسية العالمية لعام 2017 ــ 2018، والصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، عن تراجع مستوى جودة التعليم العالي والتدريب في الكويت، حيث احتلت المرتبة 95 من بين 137 دولة والأخير خليحياً، كما تراجع مستوى جودة التعليم الابتدائي وتعليم الرياضيات والعلوم!
أي تنمية نتوقع بتلك المؤشرات المحبطة التي تَنَكَرَ واستهجنها البعض، رافضاً تقبل الحقيقة ومواجهتها حتى فوجئنا بقضية الشهادات الوهمية وقضية الشهادات المزورة، التي طفت على السطح وأثارت الجدل في المجتمع، فهي مجرد قشة وسط كومة قش، ولا أعلم لماذا أثيرت من جديد، وأتمنى ألا يكون سبب إثارتها هو إشغال الرأي العام وليس لغاية الحل؟!
أثير موضوع الشهادات الوهمية في مجلس الأمة سنة 2006، حين تقدم النائب السابق فيصل الشايع إلى وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء بسؤال عما إذا كانت هناك أعداد كبيرة من موظفي الدولة يحصلون على شهادات علمية من الخارج من دون حصولهم على تفرغ دراسي، مستفسراً عن عدد الذين لم يحصلوا على موافقة من ديوان الخدمة المدنية.
وذلك نقلاً عن جريدة القبس الإلكتروني 12 أغسطس 2017.
وبعدها تسلسلت الأحداث وأصبحت أكثر تعقيداً، حيث ظهرت مشكلة الشهادات العلمية العليا غير المعترف بها في الكويت، ومن ثم شراء الشهادات المضروبة أو المزورة من قبل مواطنين ووافدين، وظلت المشكلة بين أفول وبزوغ حالها حال أغلبية مشاكلنا الماكثة على كاهلنا بلا حلول!
لم يعد أبناؤنا يثقون بمؤسسات الدولة بسبب سوء الادارة وتفشي الفساد وسياسة المحاباة وعدم تكافؤ الفرص، وقد ترتب على ذلك عدم تقدير العلم وفقدان الرغبة بتطوير قدراتهم العقلية والمعرفية، وأصبح مجمل ما يهمهم إتمام الدراسات العليا، التي تمكنهم من التوظف في إحدى الوظائف الحكومية المريحة، التي كل الإنجاز بها هو إثبات الحضور والانصراف (بالبصمة)، وتقاضي راتب آمن ومحترم من دون تعب أو الحصول على برستيج فارغ وبلا مضمون. والبعض استسهل الموضوع فأبى أن يكلف نفسه وأن يطور من مداركه واتجه لطريق التزوير والغش الذي رآه متفشياً ومقبولاً من البعض، للحصول على مبتغاه من غير أن يبذل أي مجهود قد لا يعود عليه بمردود.
إن غياب الرقابة والمحاسبة من الحكومة من الأسباب، التي أدت إلى تفاقم تلك «الظاهرة السلبية» والدخيلة على المجتمع. فالمجتمعات التي تعيش على المظاهر الكذابة والخداع هي مجتمعات زائلة، ولا بقاء لها في عصر العلوم والمعارف والتكنولوجيا والانفتاح.