معتوق و محبوب
إيمان جوهر حيات
12/30/2019
تسلم معتوق حقيبة أحد الوزارات، وبعد الانتهاء من الإجراءات، ذهب ليتفقد مكتبه الفخم، و لفت انتباهه وهو ينظر من خلف نافذة مكتبه اتساخ نوافذ المبنى المقابل لمبنى الوزارة، فاستدعى على الفور الوكيل محبوب والمعروف بأنه رجل المهمات الصعبة، وعبر له عن انزعاجه من منظر المبنى ،وطلب منه أن يخبر أصحاب المبنى بتنظيف نوافذهم بطريقته الخاصة، وانتظر بضعة أيام… والحال كما هو عليه وفي كل مرة يسأل بها وكيله عن الموضوع يرد عليه، أن عقد تنظيف النوافذ الخارجية انتهى من سنة ويوجد بطء في عملية الترسية، و يتجاهل الوزير ذلك!
وبعد مرور شهر تَوّعد الوزير بمحاسبة الوكيل إن لم يقوم بالمهمة المكلف بها، ولكنه فوجئ بنظافة نوافذ المبنى الذي أمامه، وسأل محبوب كيف أقنعتهم؟
قال محبوب: أعطيت التعليمات لصباب الشاي لتنظيف نافذتك المتسخة!
صمت معتوق لوهلة ثم قال لمحبوب أعلم أن نوافذ مبنانا متسخة وكنت أحاول لفت انتباهك!
قصه خيالية اقتبستها من صديق ، وتعني أن على الإنسان قبل أن يلقى اللوم أو يشير بأصابع الاتهام على غيره، أن ينظر لنفسه أولا…
من منا ليس لديه تجربة مباشرة أو غير مباشرة مع شخصية شبيهة بشخصية الوزير معتوق، قد يكون أصحاب تلك الشخصية نرجسيين متمركزين حول ذواتهم التي لا تقبل النقد ولا الاستنكار ، فهم يرون أنفسهم منزهين عن الخطايا معصومين من الزلل، وأن من دونهم لا تستقيم الأمور، وقد تدارك ذلك الوكيل محبوب بإعطائه مهلة للوزير المستاء من النوافذ ،لكي يدرك أن المشكلة ليست بالخارج بل بداخل المبنى، ولكن لم ينتبه الوزير معتوق رغم وضوح ذلك، ليس لأنه لا يرى، بل لأن ما يؤمن به من اعتقادات راسخة وتضخم الأنا أعاقته عن النظر للأمور بالشكل الصحيح.
أوليس من بيننا من يراقب أخطاء الغير ويُحصن أخطاؤه، ويتحدث ويكتب عن الإنسانية والإصلاح وحب الوطن ، ويتذمر من الفساد كالغرق بالأمطار والشوارع الغير مطابقة للمواصفات ، وعدم تكافؤ الفرص وتقليص الحريات… الخ؟
وفي الجانب الآخر نراه:
يتجاهل أحوال (البدون) الذين سُلبت حقوقهم وفقدوا الأمل في الحياة، وتراه يستنكر ويشكك بإنتحار هؤلاء المعدومين في إنهاء حياتهم، أو يغض النظر عن جريمة قتل شنيعة بحجة الدفاع عن الشرف!
أو يرمي المهملات في غير مكانها المخصص، أو يقود برعونة دون احترام الآداب العامة للطريق، أو يبحث عن الواسطة لنيل المناصب التي لا يستحقها، أو يتعامل بالرشوة التي بها ظلم للآخرين!
أو يدعي الدفاع عن حقوق المرأة والحريات في كافة المنابر، و يمارس كل أنواع الاضطهاد على المقربين منه.
تناقضات ونفاق وزيف مع النفس… تلك السلوكيات هي نتاج ضغوط اجتماعية وسياسية ، تذيب الذات والإرادة الإنسانية الحرة وتُرضِخها تحت سلطة بعض الأفكار أو القوانين الجامدة الرافضة لسنة التغيير الكونية .
الوزير معتوق نتاج بيئته ، وتغيير تلك البيئة المغلقة يستدعي جهود حثيثة تضع في اعتبارها متطلبات المستقبل ، وتهتم بملف التعليم المبهم لإنشاء أجيال مختلفة وواعية تستوعب التغيير وقادرة على البناء ولا تخجل أو تخشى من مواجهة أخطائها .