قبو العادات والتقاليد
إيمان جوهر حيات
10/2/2017
نعيش في قبو مظلم من الأفكار والاعتقادات البعيدة كل البعد عن واقعنا، وما ان بدأ النور يشق سرابيل ظلام تلك الأفكار حتى بدأت الأصوات الرافضة تتعالى وتشجب وجود ذلك النور الخافت، خوفاً من التغيير والتطوير، الذي يبدد بنوره ترسانة العادات والتقاليد، التي أصبحت بفضل أدعياء السلطة والدين واجباً مقدساً لا يحتمل التأويل أو النقد والتفنيد. العادات هي ما اعتاده وكرره الناس، أما التقاليد فهي أن يأتي جيل، ويسير على نهج جيل سابق، ويقلده في أمور شتى. (منقول) وكما قال عبدالإله بلقزيز: «ليس التراث مقدساً، ولا مدنساً، ولا حلبة مواجهة، إنه موضوع للمعرفة فحسب». لا أحارب كل العادات والتقاليد، فمنها ما هو جميل، ومنها ما هو بغيض، ويحتاج منا التوقف والتدقيق، ولكن أدعياء وتجار الدين لا يسمحون لك بأن تتحدث أو حتى تفكر وتناقش، لأنهم جعلوها مقدسة بقدرة قادر، ومن يتجرأ ويستفسر يصبح خارجاً عن الملة وكافراً!
ويحللون ويحرمون ويجيزون ويمنعون وهيهات لـ«المواطن البسيط» إذا تمرد وخالف!
مجتمعنا الكويتي هو بلد الهجرات، التي خلقت ذلك التنوع الفكري والثقافي بين أفراد المجتمع، وكذلك بحكم موقعه الاستراتيجي وعمل الكويتيين بالتجارة، التي فتحت أمامهم المجال بالتعرف على العديد من الثقافات، وكسب الخبرات في كل مجالات الحياة. وهذا التنوع والاختلاف لم يشكلا ذلك العائق الكبير آنذاك، بل كان هو أحد الأسباب الرئيسيّة في نهضة ورقي الوطن.
إن تنوع العادات والتقاليد شيء جميل، وهو أيضاً سنة كونية. ولكن فرض الأفكار وعدم احترام الاختلاف (إما أن توافقني أو أقصيك) لا يعمّر الوطن.
أصبح الإنسان يعيش في صراع نفسي بسبب سيطرة تلك العادات والتقاليد التي أضيفت إليها صفة القدسية، وهناك من يخجل أو يخاف أن يُنبذ حين يعارض فكر مجتمعه المتشدد، وآخر يفضّل أن يكون مع الأغلبية ليسلم، وكلاهما يعيشان في صراع داخلي يفرجان عنه في أقرب رحلة خارج أسوار الوطن، أليست تلك ازدواجية!
ولا ننسى من استسلم ورضخ تحت سيطرة تلك الأفكار المتشددة لاعتقادهم أنهم هم حماة الدين، وهم الفرقة الناجية والموعودة بالخيرات، وأن كل من يخالف مبادئهم وأفكارهم ضال ومنحرف وتصب عليه اللعنات.
لم يقدنا الفكر الذي يقصي المختلف الا للرجعية والتخلف عن مواكبة الحضارة والتقدم.
ولن يحدث التغيير إن لم تكن للمجتمع قابلية للتواصل مع الأفكار الجديدة والحوار الموضوعي الواعي من دون اتخاذ مواقف مسبقة متطرفة وعنصرية، يسودها الإقصاء والرفض لكل ما هو جديد ومُحدَث.
التقوقع بالماضي ومحاربة كل الأفكار الجديدة خوفا من التغيير لن تساعدنا في بناء الوطن، فليس كل ما حواه التراث من أعراف وتقاليد وأفكار يتوافق مع النهج الحضاري المتجدد، وهذا لا يعني طبعا أن ننسلخ من قيمنا الجميلة، بل أن ندرك كيف نتفاعل مع واقعنا المتغير، وأن نكون جزءاً من هذا العالم الكبير لا بمعزل عنه.
الثيوقراطية دمرت الامة، وجعلتنا عبئاً على العالم لا يحتمل، فلم تقدنا خلافاتنا المذهبية والدينية والتسلطية إلا إلى مزيد من الانحلال والدمار والفقر والتهجير والفساد، الذي اضطجرت منه الأمم.
أين نحن من هذا العالم؟
فليست لدينا إنجازات حقيقية، وكل ما نراه هو خطابات وتصريحات إصلاحية وتنموية ومؤشرات وإحصائيات عالمية ودولية، تعكس تردي أوضاعنا على صعيد كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وحتى البيئية.
التغيير قادم لا محالة، ومن الأفضل لنا جميعا أن نعد أنفسنا لحوار عقلاني يقودنا الى التوافق لمصلحة هذا الوطن.
وكفى جموداً وفُرقة.