تداعيات الاستقطاب السياسي
إيمان جوهر حيات
5/3/2021
وغير ذلك لا يكون إلا إفساداً فوق إفساد. وما نراه أقل مما نتمناه». هذا ما رآه المغفور له الشيخ ناصر صباح الأحمد وعبّر عنه في تويتر بتاريخ 23 يوليو 2020.
رحمه الله ورحمنا من الفساد غير المسبوق، الذي مس أغلب مؤسسات البلد ولم يسلم من شره أهم المؤسسات!
ماذا تبقى لنا وبأي قشة نتمسّك لننقذ أنفسنا ووطننا من السقوط المدوي الذي لا رجعة منه؟!
«محاربة الفساد معركة تبدأ بتطهير مؤسسات الدولة من فاسديها ومن ارتبط بهم دون تمييز، خصوصاً في ظل ظروف اقتصادية صعبة، فلا تنمية ولا عدالة في الدولة بوجود الفاسدين في مؤسساتها.
أصبح من الضروري اليوم إدراك العوامل المختلفة التي تعمل على تقسيمنا، والنظر بعمق كأفراد في مشاعرنا وأفكارنا وسلوكياتنا تجاه أنفسنا وتجاه الآخر المختلف، ليس الهدف من ذلك اتفاق بعضنا مع بعض طوال الوقت، فذلك أمر غير صحي ولا واقعي، بل علينا تعلم كيف نستثمر اختلافاتنا، والعمل على تقليص حدة الاستقطاب والانقسام السياسي الشديد الذي أصبح مصدراً للإزعاج والقلق للجميع، وضرورة إغلاق الباب في وجه مفتعلي الأزمات، الذين يسعون إلى تغييب الوعي العام وإشاعة أجواء من التطرف والعنصرية واللاعقلانية في المجتمع، فهؤلاء يتفننون في خلق الصراعات والأزمات.
إن معرفة طبيعة السلوكيات التي أدت إلى تفاقم ما نمر به من انقسام سياسي ووضعه تحت مجهر المنهج العلمي من دون تعتيم أو تشويه، هو السبيل الصحيح للخروج من تلك الزوابع المفتعلة التي في الأغلب يلهبها القادة السياسيون لتشتيت العقول وبث الخوف والقلق والشك، ومن ثم عقد المساومات وتحقيق المصالح المشبوهة التي لا تضع اعتبارا للمصلحة العامة، ولا تكترث بقواعد وأسس وضعها الآباء المؤسسون، والمتمثلة بالعقد الاجتماعي «دستور 1962».
تداعيات الاستقطاب السياسي، والإقصاء المتبادل بين الفرقاء السياسيين، والتشبث بمنظومة فكرية جامدة لم تفتح أبوابها للتغيير، وجردت الديموقراطية من أهم مبادئها حتى أصبحت مجرّد كلمة بلا معنى في قلب دستور مهجور معزول وحيد.
تسبب ذلك كله في تعميق الانقسامات بين أفراد المجتمع وأصبح الولاء حكراً للهوية الفكرية لا للوطن.
الخروج من هذا الاستقطاب الشديد لا يتحقق فقط بإجراء بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية، هناك مجتمع تضرر بشدة نفسياً ومعنوياً وفكرياً من جراء هذه السياسات غير الحصيفة، ونحن بحاجة لإدراك أسس العواطف والسلوك التي ترسخت في المجتمع في غفلة من الزمن وأنشأت فجوة اجتماعية اقتصادية وسياسية بين فئات المجتمع المختلفة، وضرورة الاستعانة بخبرات المتخصصين في مجال العلوم الاجتماعية لرسم خريطة الطريق المجتمعية وإحداث التغييرات اللازمة على المستوى الفردي من خلال وسائل عدة، أهمها تطوير النظام التعليمي وإبعاده عن السياسة، وإعلام حر ونزيه يغذي المجتمع بالحقائق التي تنمّي وعيه وإدراكه.
وضرورة الاستفادة من التجارب التي اعتمدتها البلدان، التي خطت خطوات واسعة في معالجة الانقسام السياسي، من خلال جهود المشاركة الشعبية والمصالحة التي تقودها الحكومة، مثل لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا، التي كانت أساسية في معالجة التفاوتات ووضع حد للصراع والمضي باتجاه التنمية.
لا ملاذ لنا إلا بتطوير المنظومة الفكرية والثقافية وترسيخ مبادئ الدولة المدنية التي تحفظ حقوق الإنسان وكرامته.