تطبيق الحوكمة
إيمان جوهر حيات
7/16/2018
إذا أصاب المرء مرض السرطان لن يمكنه علاجه إلا إذا اعترف بوجوده في جسده وسارع باستئصاله.
أما السكوت والتجاهل سيؤدي لانتشار ذلك المرض في كل الجسد وإهلاكه.
السرطان بالنسبة لي هو تلك الأفكار السلبية والضيقة التي اكتسبها الإنسان من بيئته المحيطة والتي تعيقه عن استيعاب أي تغيير او اختلاف، فتراه يصارع كل ما لا يتفق معه ويستخدم جميع الأسلحة بما فيها المحرمة لنشر تلك الأفكاره المريضة، لو اطلعنا بشكل عام على نطاق الدولة سنجد سوء الادارة الذي أدى لتردي مؤسسات البلد التي تعج بالفساد ، والصفحات الأولى لصحفنا متصدرتها مانشيتات تسلط الضوء على المخالفات والإخفاقات ، والتذمر الكبير من المجتمع على الهدر وسوء الخدمات، والتصريحات البرلمانية التي تشجب وتندد بـ استجوابات ، والمحصلة هي ازدياد الفساد!
الخلل الذي نعانيه هو الخوف من كشف الحقائق ووضع الأمور في نصابها الصحيح، واستخدام سياسة الترقيع كعلاج مؤقت ليس بإمكانه اقتلاع المشكلة من جذورها بل يغطيها لفترة محدودة غافلا أن ذلك الغطاء هو من يسمح لتلك المشاكل بالتكاثر والتضخم حتى يصبح من الصعب إخفاؤها أو التستر عليها.
وإذا كنت صادقة يا حكومة بالإصلاح عليك أولا التخلص من العنجهية والنزول من برجك العاجي ، وفتح جميع الملفات المسكوت عنها ووضعها تحت المجهر وتفنيدها بكل شفافية (حوكمة) والعمل على وضع الحلول الجذرية لها ، فأول سبل العلاج هو الاعتراف بالخطأ وتسليط الضوء عليه ، وعدم تركه للزمن و لمرمى المتربصين الذين يستغلون تلك الإخفاقات ليس لأجل حلها بل للتكسب منها، وعليك يا حكومة ان تكوني صادقة وشفافة مع أفراد مجتمعك وتشاركيهم إخفاقاتك كما تفعلين في إنجازاتك ، وان تراقبي وتقيمي أدائك قبل أن يتم رصده من قبل المجتمع فأنت القدوة وتلك السلوكيات الإدارية كفيلة بأن تُرجع لك ثقة المجتمع بعد سنوات من الإخفاقات ، وليشعر أفراد المجتمع جميعا ومن دون تمييز بأهميتهم كشركاء فاعلين ومسؤولين في وطنهم.
عليك يا حكومة ان تدركي جيداً ان سياسة الترضيات والمساومات السلطوية التي تمارسينها منذ أمد وخاصة المتمثّلة في توزيع الوظائف الحكومية على المواطنين دون الاهتمام بالإنجاز (البطالة المقنعة)، وتقديم بعض الخدمات الاجتماعية التي تشعرهم بالرخاء لم تعد مجدية لأن السكان في تكاثر والاحتياجات تتزايد واسعار النفط متذبذبة وآيلة للانخفاض والميزانيات تتناقص ولَم تعد قادرة على سد حاجة كل تلك الأفواه من دون إنجاز وعمل يعود بالنفع على البلاد، ولا ننسى دور الانفتاح الذي غير الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة ومسيطرة على العقول لسنين، حيث أصبح الفرد يطالب بأن يحظى بكرامته وحقوقه في وطنه وخاصة بعد أحداث 2011 وما جرفته لنا من تغييرات لا يجب غض النظر عنها.
ما قامت به الكويت من عقد 7 اتفاقيات ومذكرات تعاون مع الصين عمل مهم ويحظى بالتقدير والاهتمام ، و تعزيز التعاون المشترك وفتح باب الاستثمار مع هذا الشريك الحيوي والفاعل والمنافس عالميا خطوة موفقة وتستحق الاشادة والدعم ، ولكن على الحكومة ان تدرك ان تلك الخطوة يجب أن يسبقها العديد من الخطوات اذا كنا نريد بالفعل حصاد ثمار تلك الشراكة بما يعود بالنفع على الوطن والمواطنين ، لا بد من تفعيل نظام رقابي دقيق لرصد خط سير تلك المشاريع الاستثمارية الضخمة وتقييم ادائها بالفترة الزمنية المحددة لها.
والاهم هو تأهيل الطاقات البشرية الوطنية لتستطيع دخول سوق العمل الجديد الذي لا يفهم لغة الواسطة والمحسوبية بل يقدس لغة العمل والانجاز، وهذا يستدعي من الدولة العمل بجهد لتطوير مناهج التعليم وأساليب وطرق التدريس للحصول على مخرجات تتوافق مع احتياج سوق العمل،وتأهيل وعي أفراد المجتمع للاعتماد على النفس و تحمل المسؤولية والبعد عن النهج القديم القائم على الاتكالية والترضيات ، وضرورة تطبيق نظام الحوكمة على كافة مؤسسات القطاع العام والخاص على حد سواء، وإرساء العدالة والحرية والمساواة والاستغناء عن سياسة فرق تسد.
فهل أنت قادرة يا حكومة على مواجهة اخفاقاتك والعمل على إحداث ما يتطلبه العمل الإصلاحي والتنموي من تغيير وتطوير ؟ ام سيكون حال مشروع الصين كحال مستشفى جابر وجامعة الشدادية وغيرها من المشاريع المتعثرة بسبب سوء الادارة وسوء التخطيط!