غربلة الأفكار

نشر 22 يناير 2018

إيمان جوهر حيات

1/16/2024

شكراً لك يا أمي، يا من علمتيني كيف احترم المختلف، وكيف انسجم مع ذاتي، وكيف أكافح وأصبر، وكيف اتعظ من هفواتي. شكراً لوالدتي التي لم تنل ذلك التعليم الكافي، ولكنها حفزتنا على الاجتهاد والانجاز والعمل والإخلاص وحب الوطن. نصائحك وكلماتك ما زالت ترن في أذني، يا ملاكي ويا أجمل ما وجد في حياتي، فأنت ملهمتي التي علمتني وما زالت تعلمني تلك القيم الجميلة، التي تسمو بها الروح وتزدهر الإنسانية. علمتيني أن أساعد ولا انتظر رد الجميل، وأن ابتسم في وجه كل فقير ومسكين، وألا أتخذ قراراً في لحظة غضب، وألا أظلم ولا أحب لغيري الظلم، وأن أناصر الحق. علمتيني أن أنظر الى ظروف الناس قبل ان أحكم عليهم، فليس كل ما نراه أو نسمعه يعكس الواقع، أو يدل على الحقائق، وعلمتيني اننا جميعا متساوون، فلا يميز إنسان على آخر إلا بعمله واجتهاده، وعلمتيني أن التواضع والاتزان من سمات العاقل، وأن التكبر والغرور من سمات الجاهل.

تلك المبادئ الجميلة والعميقة هي ما يستوجب غرسها في نفوس أبنائنا، إن كنا بالفعل نريد لهم مستقبلاً مشرقاً وواعداً وحياة مستقرة.

إن لدور التنشئة الاجتماعية أثراً بالغاً في تشكيل وتوجيه سلوكيات الطفل والمراهق، فالتنشئة الاجتماعية هي «عملية استبدال الجانب البيولوجي بأبعاد اجتماعية وثقافية، لتصبح هي الموجه الأساسي لسلوك الفرد في المجتمع، وهي العملية التي يتم فيها، ومن خلالها، دمج ثقافة المجتمع في الفرد، ودمج الفرد في ثقافة المجتمع. (تعريف اميل دور كايم الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي 1858 - 1917).

وهذا يعني أن أبناءنا وأجيالنا هم نتاج ما غُرِسَ في عقولهم من ثقافة وتعليم وتربية، فبيدنا أن نصنع منهم أسياداً، وبيدنا أن نصنع منهم عبيداً.

فمن خلال التربية نستطيع تركيز القيم والمبادئ الانسانية، التي تحدد الخطوط العامة لشخصية الفرد، وتحدد سلوكه في المجتمع من خلال علاقاته مع الآخرين، كما نستطيع من خلالها ترسيخ المبادئ التي تقود الى تماسك ووحدة المجتمع كخلق التعايش والاحترام والمحبة والمساواة بين أفراد المجتمع.

إن كل الصراعات التي من حولنا ما هي إلا انعكاس لمنظومة الأفكار الموروثة وغير القابلة للنقد وإعادة التقييم والبحث، فهي أفكار لا تتوافق مع سنة التغيير التي تخضع للتجديد والتطوير المستمر. وهذا الركود والخوف من التغيير هو ما يقود الى اعادة انتاج الماضي، والتخلف عن ركب الحضارة والتقدم. ولا سبيل لأي إصلاح أو تنمية من دون النظر في تلك المنظومة الفكرية وتنقيحها من الشوائب، والعمل على تطويرها بما يتوافق مع معطيات ومتغيرات الزمان الذي نعيش فيه.

إن للتنشئة الاجتماعية دوراً عظيماً في تحديد شخصية الفرد الوطنية، وتحديد انتمائه وولائه للوطن، وتلعب القيم المستقاة منذ الصغر، التي تتمثل في مدى احترام الإنسان لذاته ومحيطه، واحترام الرأي والرأي الآخر، وتقبل الآخرين مهما كان الاختلاف معهم، وحب العمل والانجاز والتفكير والابداع والتسامح والتعايش، دوراً مهماً في تشكيل شخصية الفرد الفاعل والمنتج، والواعي والمدرك لما يدور حوله، والقادر على إحداث التغيير والنهوض بالوطن.

ولن نرى الإصلاح ولن نتبوأ سلم النهضة حتى نبدأ بغربلة منظومة الأفكار الماضوية، التي ندور في فلكها ونتعثر في عراقيلها.