إما الإذعان وإما الحل

إيمان جوهر حيات

7/2/2018

لن تتحقق الأهداف السامية بنفوس مريضة لا تفهم معنى التعايش، ولا تستوعب الاختلاف ولا تترفع عن الخلاف. أصبحت الحرية بالنسبة للبعض شعارات لأجل التكسبات، والتعايش مجرد كلمة تردد في المناسبات، والعدالة وهماً جميلاً لا نسمع عنه إلا في المحاضرات والندوات، والمساواة ليست إلا كذبة تروج لتخدير المجتمعات. إلى أين أنت ذاهب يا وطن النهار؟ الى متى علينا أن نتحمّل سوء إدارتك يا حكومة ونصمت؟!

الضجة الحاصلة على جمعية الحرية.. تلك الجمعية التي منذ تأسيسها وهي تتلقى الضربات من كل تجاه من دون توقف، فقط لأنها تؤمن بضرورة التغيير وإعلاء سقف الحريات المسؤولة، التي لا تخرج عن نطاق الدستور والقانون!

وتحملت الجمعية تلك الهجمات رغم أنها في بداية طريقها، ولم يشتد قوامها، ومع ذلك كافحت كي تكون جزءاً معترفا به في المجتمع، وعليها بذلك أن تقدم بعض التنازلات لكي تستطيع أن تساير القوى المتمكنة ذات الجذور المتأصلة، وتحظى باعتراف ضمني يمكنها من العمل المجتمعي الرسمي، ولكن فرض عليها تغيير اسمها، لأن هناك في المجتمع من لا يتقبله ولا يفهمه.. حاولت ان تدافع عن نفسها وكيانها، ولم تفهم لماذا عليها أن تتنازل عن اسم عيبه الوحيد ان هناك من لا يريد ان يفهمه، وكان هذا الأمر غريباً بالنسبة له! ومع ذلك تنازلت مقابل أن تحظى بالاعتراف، ولكي لا تؤسس نفسها على خلاف، فغيرت اسمها من ليبرالية الى حرية، واشترطت الحفاظ على اسمها الحقيقي باللغة الانكليزية! أراه اتفاقاً مضحكاً ومحزناً في الوقت نفسه، ولا أفهم حقيقة لماذا تخشين يا حكومة من كلمة ليبرالية، والى من تتوددين وتحاولين أن ترضيه؟!

ومنذ ذلك الحين اجتهدت الجمعية، وحاولت ان تُقَوّم ذاتها لتستطيع خدمة المجتمع، وتبنت أغلب القضايا المسكوت عنها التي تشكل هاجساً مقلقاً للقوى المتحكمة، التي حاولت مراراً وتكراراً إحباط وتهميش تلك الجمعية وإعاقتها، ومحاولة إشغالها كي لا تستمر ولا تصل الى غايتها.

ورغم كل العوائق استمرت الجمعية، ولم تيأس في مواجهة قوى التشدد، التي وجهت أبواقها على الجمعية، واستغلت خطابات متنوعة، منها المغلف بالديني العاطفي لحشد المؤيدين ضد توجهات الجمعية، والمطالبة من داخل بيت الامة بإقصاء فئة فاعلة من الامة بتهم باطلة وغير صحيحة، تدعو الى قمع الجمعية بسبب مشكلة لم تقترفها ولم يحكم بها حكم نهائي نافذ على أحد أعضائها، وأُمِرت الجمعية بإقالة العضو المتهم وغير المرغوب به من أحد نواب الأمة، ولكن الجمعية رفضت هذا الأمر، وأبَت أن تتخلى عن مبادئها، لأنها تؤمن بحرية التعبير والرأي، وتؤمن بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته وبشكل نهائي، ومنذ ذلك الحين زادت الضربات عليها بشكل ممنهج، حتى وصلت الى النخاع، وحاولت أن تقاوم تلك الضربات المتتالية، وقامت بشن حملة ضد المفسدين، ورفع سقف الحريات، لأنها سئمت ان تقف مدافعاً لصد الهجمات!

من هنا دخلت الجمعية ميدان العراك، وخاصة حين قدمت، وبالتعاون مع حملة التغريد ليس جريمة، مجموعة قوانين للبرلمان للدفاع عن سجناء الرأي، وتبديل عقوبة السجن بالخدمة الاجتماعية، رغم أنها لا تؤمن بمعاقبة الآراء، ولكن تدرجت لأنها تدرك أن قوى التشدد المتمكنة لن تقبل بإسقاط كامل العقوبات، التي بها تتجبر وتتحكم برقاب من تراهم رعايا وعبيداً لا يملكون الحق في تقرير مصائرهم.

وفي يوم وليلة وجدت جمعية الحرية نفسها مسلوبة الهوية من دون إخطار مسبق وسبب مقنع ووجيه، وكل هذا لأنها لم تقبل أن تتنازل عن مبادئها، وأصرت على المواجهة والتصدي لكل من يحاول اختراقها وإضعافها وتشويه سمعتها، ومحاولة إلصاق التهم الباطلة بها، والتي لا تستند على الحقائق والأدلة، واكتفت باستثارة الرأي العام ضد الجمعية، فقط لأنها تدعو الى احترام الاختلاف، وترفض فرض الآراء والاعتقادات، وتؤمن بضرورة فتح باب الحوار ليس بالتنظير والشعارات، بل بالعمل الجماعي المنظم الذي غايته الحقيقية هي خدمة المجتمع وليس التكسب على ظهره.

على الحكومة أن تدرك وتعي أن جمعية الحرية كيان حر يضم مجموعة من الاعضاء بتوجهات وأفكار مختلفة، تشكل اغلب اطياف المجتمع، وهذا الاختلاف هو سبب نجاح الجمعية في تلك الفترة الوجيزة، التي بها قدمت العديد من الإنجازات على حسب قدراتها وإمكاناتها البسيطة، وبأيدي محبة ومعطاءة لا تعرف الكلل.

وللأسف بدل أن تتبنى الحكومة تلك الطاقات الشبابية وتستفيد منها، تقصيها وتهمشها لأجل مساومات وترضيات فارغة ليس بها أي بعد نظر!

كفاك تخبطاً يا حكومة الهدر والعطايا، وكفاك رضوخاً وإذعاناً يا مجلس التدخل بالنوايا، لقد فقد معظم من فيكم من أعضاء ثقتنا، ولن نسكت عن مواقفكم، ونطالب جميع تيارات المجتمع المدني بتوحيد الصفوف، والتخلص من موروث الأحقاد المغروس في النفوس، والتعقل والنظر الى الأمور بموضوعية لمصلحة المجتمع والوطن.

ولن نيأس..