كوميديا ساخرة
إيمان جوهر حيات
3/16/2021
النقد الساخر الكوميدي أو الهجاء اللاذع او الاستهزاء هي اساليب تستخدم بشكل مكثف في أغلب وسائل التواصل الاجتماعي، هي سلوكيات بشرية قديمة، وقد استخدمت في اليونان في القرن السادس قبل الميلاد لتسليط الضوء على أوجه الفساد في النخب السياسية وطرح القضايا الاجتماعية مثل التغيير الثقافي ونقد التابوهات الجامدة وتحفيز العقل على التفكير بهدف الإصلاح وتشخيص المشكلات وإيجاد العلاج، «وكان من أشهر الكتاب المسرحيين لهذا النوع من النقد الكوميدي الساخر أريستوفانيس Aristophanes، وميناندر Menander، وأصبح هذا الأسلوب ركيزة يقوم عليها المسرح الحديث».
بغض النظر عن مدى التسلية التي تقدمها تلك الكوميديا الساخرة إلا أنها لم تكن مهنة خالية من المخاطر، خاصة في مجتمعاتنا الشرق اوسطية التي لا تتقبل اغلب انظمتها الرأي الاخر او التعرض للسلطة، وما حولها من تابوهات، وبفضل التطور لم تعد الكوميديا الساخرة محصورة في المسرحيات، بل اصبحنا نراها ولو بشكل خجول من خلال الصحافة ورسوم الكاريكاتير واستحداث الرموز التعبيرية وبعض برامج اليوتيوب، وأصبحت تكتسح اغلب الشبكات الرقمية.
وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، رغم ما أحدثته من تقريب المسافات بين شعوب العالم فإنها مصدر لتداول الاشاعات والأخبار المضللة ايضا، والتي تستخدمها بعض وسائل الإعلام بشكل متعمد ومدروس في إنتاج وتصنيع الخوف في المجتمع بأساليب مختلفة، منها نشر الأخبار المنقوصة، التشويه، والمبالغة، والتضليل، ونشر الاشاعات لتحقيق عدة أهداف أهمها: توجيه ودفع الأفراد للقيام بسلوكيات معينة والسيطرة عليهم، وتبرير الأعمال والسياسات التي يقوم بها النظام السياسي او بعض المتنفذين، وتشتيت انتباه الناس عن القضايا الجوهرية التي يعانيها أفراد المجتمع، وتطوير طرق جديدة مستندة على قاعدة بيانات المستخدمين للترويج لمنتجات أو المتاجرة بتلك البيانات.
الخلاصة: اهم اسباب غياب دور الصحافة وتراجع الفنون وجمود الثقافة في عالمنا العربي هي الرقابة المفرطة والتعتيم والقيود وسياسة التدجين، لمنع نقد السياسات القائمة او التعرض لبعض الأفكار السائدة، وهذا ما حفز اغلب شعوب المنطقة على التنفيس عن همومهم والتعبير عن آرائهم تجاه كل القضايا، التي تهمهم وتؤثر في حياتهم من خلال أغلب وسائط الاتصال المتعددة، التي لا تخضع اغلبها لمقص الرقيب، وما استخدام النكات الساخرة او الاستهزاء بشكل غير مباشر إلا وسيلة للتملص من تعسف القوانين التي لم تعتق النوايا من المحاسبة.
حصر الحداثة التي ننعم بها اليوم بما نستهلكه من منتجات دون استيعاب الثقافة المقرونة بتلك الحداثة مدعاة للسخرية وأحد أسباب تراجعنا.
نحن لا نمارس النقد من أجل النقد، بل من أجل التحرر مما هو ميت أو متخشب في كياننا العقلي وإرثنا الثقافي. - محمد عابد الجابري (مفكر فيلسوف مغربي)

