لا ارتقاء من دون ذوق وأخلاق
إيمان جوهر حيات
11/20/2017
الأخلاق أداة المجتمع للارتقاء بالفرد، ولا تلقن بالقوانين التي هي أداة السلطة (الرشيدة) لترسيخ النظام وضمان استقرار وتقدّم المجتمع، بل هي نتاج ثقافة يكتسبها الفرد، من خلال أسرته ومدرسته ومجتمعه، وما سلوكيات الفرد في الشارع أو في المرافق العامة إلا مرآة تعكس ما يدور داخل دهاليز الإدارات والمؤسسات العامة في الدولة. فإذا كنت تريد قياس مقدار تحضّر ورقيّ أي دولة فانظر إلى سلوكيات وأخلاق وذوق أفرادها. القانون وحده لا يستطيع أن يصون المجتمع ويحميه، ما لم تكن الأخلاق والقيم داعمة ومتوافقة معه. ويكون تصرّف الأفراد نابعاً من إيمان عميق بهذه القيم، وليس خوفاً من العقاب، وكثرة القوانين لا تدل إلا على تردي أخلاق الفرد وفساد المجتمع، وهذا بحد ذاته مؤشر خطير يدل على خللٍ لا تستطيع القوانين وحدها معالجته، بل يحتاج إلى مجموعة من البرامج التي تهدف إلى توعية أفراد المجتمع وتأهيلهم، ويكون ذلك من خلال المناهج التعليمية والتربوية وعبر الوسائل الإعلامية والندوات التثقيفية الداعمة للمبادئ الإنسانية والسلوكيات الأخلاقية المقبولة والمتفق عليها من كل أفراد المجتمع من دون استثناء أو تمييز. إن حالة الفوضى التي يعيشها مجتمعنا اليوم التي أدت إلى فقدان ثقة المواطن بالحكومة وزعزعة شعوره بالأمان، بحاجة إلى حلول جذرية تبدأ بإصلاح مواطِن الفساد والتقصير في مؤسسات الدولة، وتوعية الفرد بأهمية دوره كشريك فاعل في الوطن، فلا إصلاحات واقعية في ظل حكومة ضعيفة يتفشّى الفساد في أغلب أرجاء مؤسساتها.
فلو نظرنا ـــ على سبيل المثال لا الحصر ــــ إلى سلوكيات بعض الأفراد المشينة التي تفتقر إلى الذوق والأخلاق وما يفعلونه من تصرّفات غير مقبولة بالمرافق العامة، وخاصة بالطرقات واستهتارهم بالقيادة وعدم احترام الآخرين بالطريق، مما أجبر وزارة الداخلية على تفعيل المادة 207 من قانون المرور الذي أجاز حجز المركبات لمدة لا تتجاوز شهرين في حال مخالفة اللوائح المرورية، بما في ذلك إذا تم ضبط قائد المركبة يستخدم الهاتف النقال باليد أثناء القيادة وعدم ربط حزام الأمان لقائد المركبة أو الركاب في المقاعد الأمامية، لكن سرعان ما تم التراجع عن تطبيق هذا القانون، لأنه لم يخضع لدراسة وافية (وقد اعتدنا على ذلك) وكذلك تعرّضه للنقد الشديد من قبل أغلب أفراد المجتمع، ومرة أخرى، وعلى حسب ما تم نقله من مصدر أمني لـ القبس الإلكتروني بتاريخ 2017/11/19 أن الوزير أمر بمراعاة الحالات الإنسانية، وأشار إلى أنه لن تكون هناك حملات منظمة لسحب السيارات، وأكد استمرار تطبيق قرار حجز المركبات، في حال عدم ربط حزام الأمان واستخدام الهاتف أثناء القيادة.
نعم، العقوبة رادعة ورأينا التزام الجميع بالقانون واللوائح المرورية بشكل ملحوظ، لكن والحق يذكر هناك مُبالغة في تطبيق هذا القانون، حيث لم يتم التوضيح من قبل «الداخلية» ما الإجراءات المتخذة، التي من خلالها تتم مراعاة الحالات الإنسانية؟ وما مفهوم «الداخلية» عن الحالات الإنسانية؟
هناك تذمّر من قبل الناس على آلية التطبيق لعدم وضوحه، وكذلك يرى المواطن أن سحب المركبة عقوبة مبالغ فيها، وتحتاج دراسة، كما سخر أغلب المواطنين من تشدّد «الداخلية» في إنفاذ هذا القانون بحزم وجدية على المواطن المغلوب على أمره، وفي المقابل يرى المواطن انتشار الفساد والهدر في اغلب مؤسسات الدولة بلا حسيب ولا رقيب ولا مدانٍ خلف قضبان الحديد.
الأخلاق لا تفرض بالقانون، بل هي جوهر القانون، ولا تستطيع الحكومة أن تصلح المجتمع وتفرض الهيبة لقوانينها، وهي غالباً ما تتخبط وتخرق القانون.