ما نبي وعود
إيمان جوهر حيات
12/9/2019
«يمكن للفساد أن يستشري بشكل واسع حين تستند الديموقراطيات إلى أسس هشّة، وحين يستحوذ السياسيون الشعبويون والمناهضون للديموقراطية على هذه المؤسسات ويستغلونها لمصلحتهم». (رئيس منظمة الشفافية الدولية ديليا فيريرا روبيو)
تراجع وانخفاض ترتيب الكويت في أغلب المؤشرات الدولية للحريات المدنية والسياسية والاقتصادية، على سبيل المثال لا الحصر، ساهم في إيضاح حجم الأزمة التي نعيشها اليوم مع الفساد.
فمن غير الممكن إحداث أي إصلاحات جذرية، في ظل القيود على الحريات، خصوصاً حرية الرأي والتعبير التي تعتبر حقّاً إنسانياً أصيلاً، كفلته غالبية الدساتير والمواثيق والعهود الدولية.
استشعرت جمعية الحرية الكويتية، وحملة «التغريد ليس جريمة»، ذلك الخطر الذي تشكّله بعض القوانين المقيّدة للحريات، وجرى حصر تلك القوانين وإجراء تعديلات على بعض أحكامها (الجزاء، المرئي والمسموع، المطبوعات والنشر، الوحدة الوطنية، تقنية المعلومات، والإجراءات)، بحيث تصبح متّسقة مع الدستور والمواثيق الدولية المصادق عليها، لغاية رفع القيود عن «الكلمة» وإفساح المزيد من ضمانات الحرية المكفولة بالدستور، وجرى تقديم القوانين المُعدّلة لكل أعضاء مجلس الأمة وتسليم نسخ للمجلس بتاريخ 29 أبريل 2018.
وبعدها تمت دعوة مقدمي مشروع القانون للاجتماع برئيس مجلس الأمة بتاريخ 2 فبراير 2019، حيث وُعِدوا بمساندته الشخصية لمشروع القوانين المقدم في حال جرى إجراء بعض التعديلات، وبالفعل أُجريت التعديلات (المتّسقة مع الدستور)، وأُرسلت النسخ المعدلة بتاريخ 3 مارس 2019 إلى مجلس الأمة.. وإلى يومنا هذا لا ردّ!
الشراكة المجتمعية حديث أغلب المسؤولين، والحقيقة هم يتوجّسون من كل عمل مجتمعي «منظّم»، يحاول تعديل الاعوجاج الذي يشهده ويعاني منه الشارع الكويتي، وهو يراقب تردي المؤشرات الدولية بغصّة، ويرى تضخم الفساد الذي أصبح اليوم حديث الصغير قبل الكبير، الفقير والغني، الموظف والتاجر، وحتى الشيخ!
ولكن قَلّ من يتحدث عن أهم سبب سمح لهذا الفساد بالتفاقم؛ وهو تكبيل الحريات الذي عزز التفرّد بالرأي وإلغاء الآخرين المختلفين وابتزازهم أو تهديدهم بمصدر عيشهم، وذلك خلق أجواء يسودها الخوف والرهبة.. شعور بحد ذاته يقتل العقل ويُعيق ملكة التفكير والإبداع التي هي أساس تطور الأوطان ونهضتها.
ها نحن نشاهد جميعاً أغلب وسائل الإعلام المحلية تفتقر إلى الموضوعية والحيادية تجاه الرأي المختلف أو الناقد الذي لا يتوافق مع اعتقادات مؤسسيها أو مصالحهم!
منع ندوات وفعاليات مجتمعية، لأنها تكشف الوجه الآخر من الحقيقة فقط، أو تعبّر عن وجهة نظر مختلفة لما هو سائد أو لما هو مفروض بحكم بعض القوانين المقيدة!
أغلب الناس تعودوا بسبب خوفهم ورهبتهم من القيود باختلاف أنواعها، مراجعة كلماتهم ألف مرة لإيصال فكرة محبوسة في عقولهم عن طريق السخرية المبطنة والنكت والألغاز!
ماذا تفعلون؟
لم يعد ترهيب الناس من الحرية وتشويهها أمرا مجديا في زمن التكنولوجيا والمعلومات.
يبدأ الإصلاح المرجو باقتناع الإدارة السياسية بوجوب التغيير الجذري لمنهجية عتيقة لم تعد تتناسب مع العصر الحديث، وضرورة رفع سقف الحريات وضمان الحقوق الإنسانية والمدنية والسياسية والاقتصادية المصونة بالدستور، واستيعاب جميع الآراء المختلفة، وتمكين المواطنين من أن يكونوا شركاء فاعلين في نهضة الوطن وتقدمه.