مَن غرّر بأبنائنا؟
إيمان جوهر حيات
12/28/2020
بعدما نشرت جريدة القبس قبل أيام عن تورط أحداث غرّر بهم تنظيم «داعش» الإرهابي،وجنّدهم، لاستهداف دور عبادة ومجمعات تجارية ومنشآت أخرى…
أتساءل كيف لطفل أو مراهق في طور النمو أن ينخرط ويتقبل فكر هذه الجماعة الإرهابية؟
للإرهاب أسباب مختلفة ومتنوعة تتطور وتتعقد بتطور المجتمعات واختلافها، عادة ما ينتج الإرهاب بسبب تفاقم وتيرة الصراعات المختلفة المتفشية في المجتمع كالصراعات الدينية والعرقية والأيديولوجية والفقر ، وعدم المساواة السياسية، والتمييز ، وضعف أداء الحكومة وسوء إدارتها ، وسوء الخدمات، وتآكل الثقة في النظام، و الانقسامات العميقة داخل النخب القيادية و المتنفذة وبين فئات المجتمع، وتصاعد الصراعات الإقليمية،وضغوط الحداثة.
أخطر أشكال الإرهاب هو المستند على مرجعية أصولية دينية عرقية، حيث يتوهم الإرهابي أنه وصي الله في الأرض ويرى نفسه المنقذ المستعد بالتضحية لحماية شرف وعفة المجتمع! والأدهى هو شعورهم بالرضا التام عن أعمالهم البشعة دون أدنى إحساس بالذنب
يتغلغل هذا الفكر الأصولي الجامد والسقيم بشكل كبير في أغلب مجتمعاتنا العربية والاسلامية التي لم تسعى لتطوير أنظمتها المتهالكة لتتوافق مع التغير الذي يفرضه علينا الزمكان، بل سعت جاهدة لترسيخ وجودها من خلال تجهيل العقول ووأد الفكر والإبداع وقمع الحريات باسم الدين والأعراف والعادات والتقاليد التي لا يتشارك بها كل أفراد المجتمع، مما خلق لدى البعض الشعور بالانتقاص وعدم الإنتماء وهذا الشعور بحد ذاته مدخل مهم لتفشي ظاهرة الإرهاب،حيث تسعى تلك الجماعات المتطرفة لاستقطاب هؤلاء المغيبين والمعزولين والمنبوذين وحمايتهم تحت لوائها وتعويضهم نفسيا وماديا ومعنويا لكسب ولائهم وطاعتهم.
علما ان الإرهاب اليوم لم يعد مقتصر على الجماعات الأصولية التي تنظر للعالم من خلال منظورها الضيق والمشوه، بل حتى بعض المثقفين و الأكاديميين و مدعي العلمانية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يخضعون تحت وطأة بعض الأيديولوجيات المشوهة التي تفقدهم القدرة على رؤية العالم بقدر من الموضوعية.
إلقاء اللوم على داعش وغيرها في غسيل أدمغة أبنائنا هو ضرب من الخيال، فصحيح أن تلك الجماعات منظمة وليست عشوائية و تعرف أين تتجه لتستقطب أبنائنا المغرر ببعضهم من الأساس بسبب ما يتلقونه من تعصب في بيئاتهم الأسرية، وبسبب تفشي الفساد الإداري وعدم تكافؤ الفرص وتصاعد الخلافات المصلحية المسيسة والطائفية والقبلية والفئوية، بالإضافة إلى سوء المناهج التعليمية.
كل ذلك يشكل ارضية خصبة وجاذبة للجماعات الإرهابية المتطرفة التي تسعى لتجنيد الأطفال و المراهقين واستخدامهم كأدوات لتنفيذ عملياتهم المشبوهة، وإتاحة المجال لهم للتنفيس عن غضبهم وأحقادهم المغروسة نتيجة لما تعرضوا له من أشكال الظلم والاجحاف والتنمر، حتى أصبح العنف بالنسبة لهم هو السبيل الوحيد للتعامل مع المظالم والمشاكل والخلاص.
أزمتنا الحقيقية هي أزمة فكر لم يتطور ونفوس لا تعرف كيف تتصافى وتتقبل التعددية وتحترم الاختلاف.
علاج اعراض هذا الوباء الفكري دون إدراك أسبابها ووضع الحلول العلمية والعقلانية الصحيحة له، لن يقودنا إلا للمزيد من المآسي وما مشهد ضحايا الإرهاب في مسجد الإمام الصادق عنا ببعيد.
لا يمكن مجابهة الإرهاب من دون إرادة حكومية جادة للتغيير تحترم المبادئ الديمقراطية المدنية، و قدر من الدعم الشعبي الذي نال حصيلته من الوعي والتثقيف.
أصلحوا نظم التعليم