ماذا بعد وقف إطلاق النار في غزة؟

نشر 17 يناير 2025

إيمان جوهر حيات

1/21/2025

يأتي وقف إطلاق النار في غزة كاستراحة مؤقتة من صراع دموي وحشي خلّف آلاف الضحايا الأبرياء وموجة جديدة من الدمار. العدوان الإسرائيلي الأخير كشف حجم المعاناة الفلسطينية أمام العالم، وأثار إدانة دولية واسعة، إذ أكدت منظمات حقوق الإنسان ارتكاب الاحتلال مجازر ترتقي إلى جرائم حرب. هذه الجرائم زادت الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو، التي تعاني من أزمات داخلية وخارجية متفاقمة.

نتنياهو: بين الأزمات الداخلية واستبداد القوة

داخليًا، يعيش نتنياهو تحت وطأة قضايا فساد قد تُطيح به من المشهد السياسي. المعارضة المتزايدة داخل إسرائيل، وارتفاع حدة الانتقادات من خصومه وحتى من داخل حكومته، جعلت بقاءه في السلطة مسألة حياة أو موت. أي تراجع قد يعني ليس فقط فقدان منصبه، بل مواجهة المحاكمات التي تلاحقه منذ سنوات.

دوليًا، أصبحت حكومة نتنياهو تحت مجهر المنظمات الحقوقية العالمية بعد ارتكابها مجازر موثقة بحق الفلسطينيين. هذه الجرائم دفعت المنظمات الدولية إلى وصفها بجرائم حرب، ما أدى إلى تعميق عزلتها السياسية على الساحة العالمية. لكن الحديث عن عزلة أخلاقية يبدو عبثيًا عندما نتحدث عن كيان لم يعِر القوانين أو الأخلاق الدولية أي اهتمام منذ إنشائه.

في مواجهة هذه الضغوط، يلجأ نتنياهو إلى التصعيد السياسي والعسكري لصرف الأنظار عن أزماته الداخلية. وبينما يُعتبر وقف إطلاق النار في غزة استجابة لضغوط دولية، فإن نتنياهو، المدفوع بقاعدته اليمينية المتطرفة، قد يلجأ إلى فتح جبهات جديدة ليثبت قوته ويحافظ على شعبيته.

الجبهات المحتملة: تصعيد جديد بدلًا من تهدئة

الضفة الغربية: قد يتحول التصعيد إلى الضفة الغربية، حيث يسعى الاحتلال إلى فرض وقائع جديدة عبر التوسع الاستيطاني وزيادة الاعتداءات على الفلسطينيين، في محاولة لتعزيز مشروعه الاستيطاني.

جنوب لبنان وحزب الله: تصعيد مع حزب الله يبقى خيارًا قائمًا، خاصة مع التوترات الحدودية المستمرة. أي مواجهة جديدة قد تُستخدم لإبراز القوة العسكرية لإسرائيل.

اليمن: إسرائيل قد تسعى لتوسيع نفوذها الإقليمي من خلال استهداف حركات مقاومة تدعمها إيران في اليمن، بما يتماشى مع استراتيجيتها الإقليمية لمواجهة النفوذ الإيراني.

سوريا والجولان: يبقى التصعيد في سوريا عبر الغارات الجوية خيارًا مستمرًا، لتأكيد الهيمنة الإسرائيلية ومواجهة محاولات التمركز الإيراني في المنطقة.

هذه الخيارات العسكرية تمثل استراتيجية لنتنياهو لإعادة توجيه الأزمات الداخلية نحو الخارج، ولإرضاء قاعدته السياسية، إلا أنها قد تُغرق المنطقة في صراعات أكثر تعقيدًا.

إسرائيل: مكاسب آنية وخسائر استراتيجية

رغم تحقيق إسرائيل بعض المكاسب مثل إضعاف المقاومة الفلسطينية وتقليص قدرات حماس العسكرية، إلا أنها تكبدت خسائر استراتيجية فادحة. صورتها الدولية تضررت بشدة مع موجة إدانات واسعة من المنظمات الحقوقية، وخسرت كثيرًا على مستوى الرأي العام العالمي، حيث باتت جرائمها مكشوفة أمام الجميع.

سياسيًا، يحاول نتنياهو استغلال الهدنة لإعادة ترتيب أوراقه، لكنه يدرك أن هذا ليس حلًا نهائيًا. إسرائيل تسعى الآن لتثبيت وقائع جديدة على الأرض من خلال:

التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.

استغلال الانقسام الفلسطيني لتحقيق مكاسب دائمة.

توسيع علاقاتها الإقليمية عبر مشاريع التطبيع.

الفلسطينيون: بين الوحدة والخذلان

على الجانب الفلسطيني، يشعر الشعب الأعزل بخذلان كبير نتيجة غياب دعم حقيقي وفعّال من الحكومات العربية. ورغم ذلك، أظهرت الأزمة الأخيرة وحدة نادرة في الشارع الفلسطيني، حتى وإن بقيت مهددة بالانقسامات السياسية بين الفصائل.

هذا الانقسام هو أحد أكبر العوائق أمام تحقيق تقدم حقيقي في مواجهة الاحتلال. إسرائيل تستغل هذا التشرذم لفرض مخططاتها التوسعية، بينما يحتاج الفلسطينيون إلى رؤية وطنية موحدة غير قابلة للاختراق، وعمل منظم يصب في الصالح العام.

ما الذي يحمله المستقبل؟

المشهد الحالي يثير العديد من التساؤلات:

هل سيلتزم نتنياهو بوقف إطلاق النار، أم سيستخدمه كفرصة لإعادة ترتيب أوراقه وفتح جبهات جديدة؟

هل سيتمكن الفلسطينيون من تجاوز انقساماتهم الداخلية وطرح رؤية موحدة؟

كيف ستتعامل الدول العربية مع تداعيات الصراع؟

ما يحدث اليوم في فلسطين والمنطقة ليس مجرد صراع مؤقت، بل لحظة فاصلة ستحدد مستقبل الشرق الأوسط لعقود قادمة. القرارات التي تُتخذ الآن، سواء من قبل الأطراف الإقليمية أو الدولية، ستعيد تشكيل التحالفات وتؤثر على مصير القضية الفلسطينية.

وقف إطلاق النار قد يوفر لحظة هدوء، لكنه لن يمحو آثار العدوان، ولن يوقف تداعياته على المدى الطويل. اللحظة الراهنة ليست مجرد محطة في الصراع، بل اختبار تاريخي يحدد معالم مستقبل المنطقة، ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم الأخلاقية والسياسية.

مسؤولية أخلاقية وسياسية

الشعب الفلسطيني، رغم المعاناة المتراكمة والخذلان المستمر، أمام فرصة تاريخية لتعزيز وحدته واستثمار دعم شعوب العالم لقضيته العادلة. أما إسرائيل، المحمية بالفيتو الأمريكي، فقد انكشف وجهها الحقيقي للعالم. ورغم مكاسبها الآنية، إلا أنها تواجه عزلة دولية متزايدة وخسائر استراتيجية تهدد استقرارها على المدى القريب والبعيد.