من أنا؟

إيمان جوهر حيات

8/20/2018

هل أنا إنسان كما يطلقون عليّ؟ أم أنا شيء آخر لا أعرفه؟ وإن كنت إنساناً فلمَ تسلب حقوقي أمام مرآي ولا أستطيع أن أتكلم؟ هل تلك الأرض التي أعيش عليها موطني، أم هي لمن يتلذذ في تعذيبي وتجريدي من أبسط حقوقي، وهي الكرامة والانتماء؟ عمي وعياله كويتيون، وأجدادي في سجلات وأرشيف الحكومة منذ دهور مسجلون، ولا أعرف ماذا عساي أن أقدم أكثر من ذلك لأثبت انتمائي لموطني، الذي لا أعرف ولا أريد أن أعرف غيره!

تلك تساؤلات إنسان من فئة «البدون»، أو كما يسمونهم المقيمين بصورة غير قانونية أو غير محددي الجنسية!

صنّفوهم كما تشاؤون بالبطاقات الملونة والتسميات المختلفة، وافرزوهم بحسب السنوات والأصول والجذور، ولكن لا تنسوا أبداً أنهم في النهاية بشر لهم مشاعر ويتألمون ويئنون.

نصف قرن وما زالت تلك القضية ماثلة أمامنا، وهذا إن دل فلا يدل إلا على فشل السلطتين التنفيذية والتشريعية في وضع الحلول المدروسة والصحيحة لتلك القضية الأزلية، نعم لقد فشلتم فشلاً ذريعاً بإدارة هذا الملف في الاتجاه الصحيح، وقضية البدون ليست إلا جزءا صغيرا من هموم المواطن الكثيرة والثقيلة التي تراوغون في وضع الحلول لها.

وها هو الفساد ماثل أمام الجميع، ولم يعد بالإمكان تجميله وإخفاؤه لتضخم حجمه وتفشيه في أغلبية المؤسسات الحكومية.

أبدع الجهاز المركزي، الذي أنيط به العمل في فترة زمنية محددة لوضع الحلول الجذرية لقضية البدون، في اختلاق مشاكل أكبر مما كان موجوداً، وأعظم اختراع له هو الجوازات المزورة، التي حث عليها البدون المنتهية بطاقاتهم الأمنية، وطلب منهم، إن أرادوا تسهيل استخراج بطاقاتهم الامنية، ان يعدلوا أوضاعهم لينالوا كل الخدمات من الدولة من دون عرقلة، ولكن ما لبث ان تم اكتشاف زيف تلك الجوازات، والخداع الذي وقع في شباكه آلاف البدون، فأصبح وضعهم يرثى له أكثر من السابق، فلم يعودوا «بدون»، ولم يعد من الأساس لهم أي وجود إنساني!

وعلى إثر ذلك تعثرت آلاف الأسر، فلا يستطيعون الحصول على شهادات الميلاد والوفاة وعقود الزواج، والهويات الشخصية ورخص القيادة، وسلب حقهم بتعليم أبنائهم والعلاج، وصعوبة الحصول على وظائف في الجهات الحكومية والخاصة، وكذلك عدم استطاعتهم فتح حسابات بنكية او تجديد بيانات حساباتهم الخاصة لعدم حيازتهم اي وثائق رسمية...!

ومؤخرا ما يتعرض له البدون عندما يذهبون الى تجديد البطاقة الأمنية المنتهية من قبل الجهاز المختص، ومطالبتهم له بالتوقيع على صحة ما تم تدوينه بالبطاقة، حتى وان لم تكن المعلومات المذكورة دقيقة وصحيحة، وإذا رفض الإقرار بذلك تتوقف معاملته، وبالتالي تشل كل حياته.

وتستمر مشكلة البدون بالتفاقم، والأعداد بالتزايد، والحلول مبتورة تحتاج الى جراح واع وماهر!

كفاكم يا حكومة ويا مجلس وعوداً وهمية... وواجهوا عبث السنين بوضع الحلول الجذرية البعيدة عن المراوغة، فمن تدعون بأنه مزور فليذهب الى القضاء ويجازى بفعلته، ومن هو مستحق فاعتذروا منه وأعطوه حقه.

سبب استمرار مشكلة البدون لعقود طويلة هو في الأغلب بسبب تلك النظرة العنصرية الى هذه القضية من قبل بعض فئات المجتمع، وخوفها على حساباتها الانتخابية والسياسية، وبين وعود انتخابية وتصريحات برلمانية ووعود حكومية يموج اصحاب القضية بلا حلول ولا إنصاف لإنسانيتهم.

ارحموهم، فهم بشر يستحقون ان يعيشوا حياة إنسانية كريمة، ولا يستحقون كل هذا الإجحاف من قبل دولة تسعى بكل ما تملك الى ان تحتفظ بمركزها الإنساني، وتسعى الى تبوؤ سلم النهضة والرقي.

الفقر والحاجة مرتعان خصبان للفساد، والضغط يسبب الانفجار، ولحماية أمن الكويت واستقرارها يجب على الحكومة ان تنصف المستحقين من اخواننا وأبنائنا البدون، وان يأخذ القضاء مجراه لمن على ملفاتهم لغط، فالوضع ليس بالسهل كما يظن البعض، وإدارة الدولة تحتاج الى هامات واعية وانسانية ذات بعد نظر، ولا تديرها الطائفية والعنصرية البغيضة.

«وكافي تكسب» على آلام ومعاناة البدون.