ناصر.. ورؤية الشمال
إيمان جوهر حيات
1/11/2021
ترجلت الديموقراطية الأميركية يوم الأربعاء الماضي، أمام جموع من أنصار ترامب المشككين بنتائج الانتخابات. الغريب هو عدم استعداد شرطة الكابيتول لمواجهة وصد ما حدث من فوضى رغم علمهم المسبق بنية تلك الحشود المدعوة من ترامب لمناصرة حقه المتوهم!
على صعيد آخر، أثار ما حدث في الكابيتول ضجة دولية كبيرة تباينت بها ردود الأفعال بين التشفي والحزن والخوف، وهناك من شكك بحقيقة وجود تلك الديموقراطية من الأساس، وهناك من تباهى باستبداده الذي يراه معتدلاً أمام ما حدث في الكابيتول!
هل ترامب ضرب الديموقراطية الأميركية، أم كشف زيفها وهوانها؟ كان هذا هو تساؤل المجتمع الدولي، وهاجس الشعوب المغلوبة على أمرها التي ترى في الديموقراطية مخرجاً من نظم الاستبداد المسيطرة على مصائرهم وخيرات بلدانهم.
المهم ماذا بعد هذا الصدع؟ هل سيقوم بايدن برسم توازنات جديدة للخروج من عقر الدوامة الترامبية؟
يشغل هذا التساؤل غالبية أنظمة دول الشرق الأوسط أصولية الهوى التي لا تختلف كثيراً عن نهج اليمين المتطرف، وقد بادرت هذه الدول بإحداث تغييرات في تحالفاتها وسياساتها وما كان التطبيع إلا كتاب حسن سير وسلوك مقدماً للإدارة الأميركية، التي وإن اختلف توجه رؤسائها، لن تتزحزح أنملة عن الدفاع عن الكيان الصهيوني المستبد، ومن يخالف هذا التوجه يصبح في مرمى الرصد والضغط، الذي لا تقوى غالبية دول المنطقة المنهكة على مواجهته.
ماذا بعد التطبيع العربي ـ الإسرائيلي؟ وما هو توجه بايدن من إيران التي تحولت إلى وحش كاسر يهدد المنطقة نتيجة لضغوط إدارة ترامب؟
وهل ستستمر الولايات المتحدة في تخفيض وجودها في المنطقة؟
تكبدت الولايات المتحدة، حالها كحال أغلب دول العالم، خسائر فادحة من جراء سياساتها السابقة، وكذلك بزوغ وباء «كوفيد - 19» الذي قصم ظهر البعير وهدد أمنها الداخلي بعد ارتفاع أعداد البطالة والوفيات وترهل النظام الصحي وانتكاسة الاقتصاد وتفشي العنصرية والغضب المجتمعي، ومن المهم للولايات المتحدة في حلتها الجديدة أن تركز على إصلاح ما شُرِخ في الداخل أولاً من دون الإخلال بمصالحها الخارجية، حيث تسعى الإدارة الأميركية إلى تعيين شرطي يحفظ أمن المنطقة، وهنا تتنافس بعض الدول كإسرائيل وتركيا وإيران وحلفائها، بترسيخ وجودها واستعراض قدرتها على إدارة وضبط النظام في المنطقة.
ولا أعرف كيف ستستقر الأمور ومن سيستلم مفاتيح هذه المنطقة المنكوبة بالصراعات، ولكن أعرف أن أفضل الإصلاحات هي النابعة من الداخل وليست المفروضة علينا من الخارج والمبنية على ردود الأفعال، نحن بحاجة إلى رؤية كتلك التي عبر عنها المغفور له الشيخ ناصر صباح الأحمد، عندما تحدث عن مشروع تطوير منطقة الشمال وفتح قنوات التواصل مع كل دول المنطقة من خلال تبادل المصالح الاستثمارية المختلفة لتكون الكويت همزة وصل تجمع كل الحضارات العريقة في المنطقة وتفتح المجال لنهوض الدول المتعثرة من الصراعات من خلال إنشاء شبكة من الاستثمارات التي تعود بالنفع على الشعوب المتضررة وكذلك المستثمر، وتعيد لهذه المنطقة بريقها المختطف منذ عقود بسبب ما يُصنع في غرف مغلقة يتمحور حول صراع الكراسي والنفوذ، ولا يأبه لسوء أحوال الشعوب.
تحقيق تلك الرؤية يتطلب تغيير المنظومة الفكرية المتحجرة والمنهجية الإدارية المتصلبة.
التخلف عن إحداث مثل هذا التغيير العاقل والواعي ستكون فاتورته باهظة على كل شعوب المنطقة المنهكة من الصراعات والخلافات.