ثورة الجياع
إيمان جوهر حيات
4/29/2019
عندما يختل ميزان العدالة لأي دولة تختل الوطنية، وهذا الاختلال في الأغلب لا يصبّ في مصلحة الدولة، ويكفينا ان نرى ما آلت إليه بعض الدول التي نخر بها الفساد والظلم، وكيف أصبحت مرتعاً للتطرّف والإرهاب اللذين احتضنتهما الدول الدكتاتورية ذاتها لنشر الذعر والقلق والخوف بين أفراد مجتمعاتها، وايهامهم بأنها هي الحامي المهيمن، ومن دون سلطتها تختل الموازين ويسود الفساد! نهج قديم ومستهلك وأصبح معلوما للجميع، غاية تلك الدول المستبدة هي السيطرة للاستمرار أكبر وقت ممكن في السلطة من دون الاكتراث لحقوق الشعوب وامنهم وتطلعاتهم لوطنهم، وبمجرد النظر الى اعداد المهاجرين ومعتقلي الرأي في الشرق الأوسط يتضح كمّ المعاناة التي تعاني منها اغلب الشعوب بسبب تلك السياسات الممنهجة على الإرهاب الفكري وخلق الخوف في نفوس الناس. التطرّف هو فكرة؛ غايتها الاستعباد والسيطرة، اي ان تكون عبداً لتلك الفكرة التي اضيفت عليها مسحة من القداسة لتجعلك أسيراً مكبّلا بها من دون ان تفهم مضمونها ولا حتى منطقية وجودها في ذهنك، وقد شهدنا العديد من الحروب والصراعات لغاية استعراض القوى ونهب الثروات باسم الدفاع عن المعتقد أو عن الحقوق الإنسانية، وهي ليست إلا لغاية تحقيق المصالح الجيوسياسية والاقتصادية. معاناة شرقنا الأوسط لا تقتصر على التدخّلات الخارجية، بل هي أيضا بسبب النزاعات الإقليمية والصراعات الداخلية التي شنّتها جماعات ذات نهج متطرف فكريا بحجة الدفاع عن الهوية والتقاليد والاعراف، وهي في حقيقة أمرها ليست إلا كذبة استغلها أصحاب النفوذ والسلطة لتغذية الأحقاد والكراهية ضد المختلف، والتشكيك في كل من يعارض منهجيتها القائمة على تحقيق أكبر قدر من المكاسب المشبوهة من دون الاكتراث لحقوق الشعوب وحرياتهم، وها هي حال بعض الدول التي حولنا والقائمة في اتساع طالما الجشع هو المسيطر على واقع الحال.
نحن لسنا بمعزل عن هذا الخطر المتنامي الذي خلق بيئة مريضة تستقطب المغيّبين والجهلاء والذين غُسلت ادمغتهم بالاكاذيب ليكونوا درعا منيعة لجماعات متطرفة وارهابية توفّر لهؤلاء المقموعين ما سُلِب منهم مقابل ترضيخهم بشعارات وهمية واستغلالهم في تنفيذ اجندات في الأغلب غايتها تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية خاصة.
لننظر إلى غضب بعض الشعوب، وكيف تصنّفها بعض وسائل الإعلام المجيرة، وكيف تتغيّر المواقف والتوجهات السياسية! فهناك من يصور ذلك الغضب بثورة تستحق الدعم والمناصرة، وهناك من يظهرها انقلابا وخيانة، والحقيقة هي أن اغلب تلك الوسائل الاعلامية هي مجرد أدوات بيد متنفّذين يتعاركون سياسيا واقتصاديا بين بعضهم وبعض، ولا يكترثون الى حال شعوبهم التي عانت ما عانته من فقر وتجويع، وسوء خدمات وبطالة وتهجير.. الخ، وهذا سبب نهوض اغلب الثورات التي تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية واسترجاع الحقوق الانسانية المسلوبة. ثورة الجياع آتية إن لم تتدارك الحكومات المستبدّة نفسها، وتصلح من حالها، وتحترم شعوبها التي هي مصدر كل السلطات.