وستفاليا الشرق الأوسط
نشر 13 نوفمبر 2017
إيمان جوهر حيات
1/10/2024
بعد حرب طاحنة ومستعرة لثلاثين عاماً بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية، أنهت اتفاقية صلح «وستفاليا» Peace of Westphalia عام 1648، سيطرة اللاهوت على العقل الأوروبي، وتبلور مفهوم الدولة ذات السيادة ككيان يجتمع فيه المواطنون بصفتهم شعباً ذا ولاء وانتماء للوطن، وليس لطوائف متعددة الانتماءات، وأصبح مفهوم المواطنة هو الرابط الذي يجمع أفراد المجتمع من دون أي تمييز، وتكفل للمواطنين المساواة في الحقوق والواجبات، ولقد تمت صياغة مصطلحي السيادة والمصالح بعد الحربين العالميتين، متعدين بذلك الحدود الجغرافية للدولة وارتباطها بالمنظومة الدولية. ما يهمني بشكل مختصر هو أين الشرق الأوسط؟ وما دوره في المنظومة الدولية؟ الشرق الأوسط، وللأسف، يعيش في حالة انقسام وصراع مستمر يشبه بشكل كبير ما حصل لأوروبا قبل صلح وستفاليا، وها هو يغرق في بحور من الدماء والانقسامات الطائفية والمذهبية، ليس لإيمانه الزائد بتلك الروحانيات، بل لأنها كانت دائماً سبيل المتجبرين عبر التاريخ لغسل أدمغة الشعوب وبسط الهيمنة. تخيل، ولو لوهلة، أن ترى كنزاً كبيراً وثميناً على فوهة بركان، ليس عليه حارس ولا حسيب ولا رقيب، هل ستترك ذلك الكنز وترحل؟ (رجاء لا تقل لي نعم)، فهكذا ترانا القوى العظمى كنزاً ثميناً من حيث موقع الشرق الأوسط الاستراتيجي ومنافذه البحرية، وخيراته المتعددة والكثيرة. وفي المقابل، هي ترى بحسرة تبدد كل هذه الخيرات بسبب عقول مريضة بالجشع والأنا تعيش على الأحقاد والضغائن، لا تعرف كيف تتحد وتستثمر خيراتها بطريقة صحيحة، لتحقق لها المنفعة المستمرة والمستديمة، وتكون فاعلة ومؤثرة في المنظومة الدولية تفيد وبالمقابل تستفيد.
هكذا هي السياسة تؤمن بالواقعية، والواقعية في العلاقات الدولية هي القوة، «والقوة وسيلة لتحقيق غاية، وليست غاية في حد ذاتها، فالدول تستخدم قوتها لتحقيق أهداف محددة في النهاية، فمن الصعب تصوّر أن الدول يمكن أن تستخدم قوتها ببساطة لمجرد استعراض القوة». وحسب تعريف الكاتب الأميركي وأستاذ العلوم السياسية، جوزيف ناي، القوة الناعمة هي ما تجسده الدولة من أفكار ومبادئ وأخلاق، ومن خلال الدعم في مجالات حقوق الإنسان والبنية التحتية والثقافة والفن، بدلاً من القوة العسكرية أو الإرغام في تحقيق أهدافها.
القوى الدولية الكبرى لا يهمها بتاتاً التوجه العقائدي أو المذهبي لدول الشرق الأوسط، بل ما يهمها هو كيف تستطيع تحقيق أكبر قدر من المصالح بأقل قدر من المخاطر، وعلينا أن نفكر بالمثل ليتحقق مبدأ المنفعة المتبادلة، وبشروط مقبولة من الجميع، من دون فرض أو إرغام من قبل أي طرف. لكن هل نستطيع أن نكون مؤثرين ونحن بهذا الضعف وهذا الهوان؟!
اعتقد أن الأمتين العربية والإسلامية بحاجة شديدة إلى اتفاقية صلح شرق أوسطية على وزن «وستفاليا»، لعلها تستطيع أن تخرج من نفق الظلمات الذي تسكنه منذ دهور، وتعيد ترتيب أمورها وترحم شعوبها، وأن تمتلك القدرات التي تؤهلها لتكون عضواً فاعلاً ومؤثراً في المنظومة الدولية، وليست مجرد كنز متى ما نضب هُمِّشت وأصبحت بلا دور ولا أهمية.
السياسة لا تعرف سوى المصالح.